مشهد ا نهار/ داخلي (شقة)
يظهر من أثاث الشقة وترتيبها أنها لأسرة ميسورة الحال، يأتي من العمق
طفل 6 سنوات يرتدي ملابس نظيفة، و مهندمة، على وجهه علامات السرور، يجري في خفة حتى تظنه يطير من على الأرض.. يتجة إلى باب الخروج
لنسمع..
صوت الأم: ساعة واحدة لحسن بابا يطين عيشتنا.
الطفل1بصوت رفيع مرتعش: حاضر يا ماما
الأم بنبرة تهديد: متبهدلش نفسك وإوعى توسخ أساور القميص لاحسن وديني أنت عارف.
الطفل1بعد أن زالت ابتسامته: حاضر يا ماما
يمد الطفل يدة الصغيرة المرتعشة ليفتح مقبض الباب بصعوبة، ويخرج. CUT
مشهد ب نهار/ خارجي الشارع تحت العمارة الشاهقة
الصبية يلعبون الكرة، ويجرون يمينا ويسارا.. يضحكون وتعلو أصواتهم بالمرح.. نلمح الطفل 1 يقف وحيدا يراقب أقرانه، ولا يشاركهم اللعب.. مجرد ظل أو خيال اعتاد الأطفال الآخرون صمت، فلا يلحظه أحد.
تتبدل ملامحه ما بين الحزن والفرح، وكأنه يلعب المباراة في خياله فقط، دون إبداء رغبة في المشاركة خوفا من الرفض, حتى لو حاول، فلن يسعفه صوته الضعيف على المبادرة والطلب، وقد تتسخ أساور القميص فتغضب أمه!
يقطع سيل مخاوف الصغير ويزيدها رعبا، صوت الجار في الطابق الأول، وهو يصرخ لكي يخفض الأطفال صوتهم المزعج بالنسبة له، ثم – فاجأة – يرمي ماءا غزيرا بغرض تفريق الأطفال، لينهمر باكمله علي الصغير وحده، فتبتل ملابسه النظيفة المهندمة، ويجري كالفأر المذعور التائه.. يجري بأقصى سرعة وخوف ليبحث عن الحماية والدفء.
مشهد ج نهار/ داخلي الشقه
الأب والأم جالسان أمام التلفزيون في الصالة.. صوت جرس الباب يدق.. تفتح الأم، ليدخل الطفل 1 لاهثا باكيا مذعورا بملابسه المبتلة.
الأم: يا نهارك أسود.. بليت كل هدومك يا غبي!
الطفل يبكي بحرقة وحسرة.. يرفع عينيه إلى أبيه الذي يهم بالوقوف، فنتبين أنه شديد الضخامة من وجهة نظر الطفل.
الطفل بصوت مليء بالرجاء والرغبة في أن ينتصر له أحد: أنكل فلان دلق عليا ماية وبهدل هدومي.
الأب يقترب في عنف من الطفل: عشان أنت قليل الأدب، ومابتسمعش الكلام، ثم يكور يديه وبحركة خاطفة يضرب الطفل بونية في فم المعدة.. يسقط الطفل على الأرض.. تتهدج أنفاسه، ويئن بصوت متقطع.
Fade to black
لم ينته المشهد، ولم تنته الحكاية، فالطفل الذي صار الآن رجلا في أوائل الثلاثينيات، مازال يجتر الحكاية كأنها حدثت اليوم، بل مازالت تحدث كل لحظة في داخله.. لم ينس الإحساس الأحد الذي طغى على إحساسه بالألم.. إحساسه بالخيانة، فقد خانه أبوه الذي من المفترض أن يحميه في مثل هذه المواقف، وينتصر له.. خانته أمه عندما لم تستقبله بين ذراعيها، وافترضت أنه الجاني المستحق للعقاب، وهو الصغير الضعيف الذي يرى العالم من Low Angel أو من وجهة نظر الدودة، فيصبح كل شيء ضخم وقوي وعنصر أمانه الوحيد هو والديه.
تخيل معي عندما يصبح عنصر الأمان الوحيد، هو أقصي عناصر الألم والتهديد..
المشكلة أننا ودون أن نبحث كثيرا في عمق الذاكرة، سنجد مواقف مشابة في تاريخنا، والمشكلة الأكبر أن هذه الأحداث هي التي وضعت أحجار الأساس في شخصياتنا.. أمراضنا, وفي بعض الأحيان أوجاعنا التي لا تنتهي.. صراعتنا اليومية مع أنفسنا، وأبوابنا المغلقة باختصار Agony
هذا ما نعرفة نحن وينكره أبناؤنا، وقد لا يتذكروه أبدا عندما تشتكي الأم أو الأب من عنف الابن/ة ومن شخصيته/ها المهزوزة او من خوفه/ها من المبادرة أو سلوكه/ها الانحرافي وما شابه.
كم مرة سمعنا من بالغين.. عن قيامه بتعذيب للحيوانات وخنقه للقطط في صغره؟! كتب جون لوك حول الأطفال ذات مرة: “قتل وتعذيب الحيوانات سيجعل من هؤلاء بالتدريج كائنات تمارس العنف ضد البشر وأن هؤلاء الذين يستمتعون بمعاناة ودمار المخلوقات لن يستطيعوا أن يكونوا عطوفين تجاة أبناء جنسهم”.
وهذا ليس نتيجة مدوامتهم على سماع الموسيقي الكلاسيكية في الصغر طبعا، لكن هي دائرة العنف من يعنف (بفتح النون) يعنف (بكسر النون)، بل ويمتد الموضوع ليطول المجتمع، فصغر النفس والإحساس بالدونية لا يولد رغبة في التحقق، بل قد يولد رغبة في التسلط وقهر الآخرين، وكأنه يستمد المفتت في شخصيته من أن يخافه الآخر، فهتلر مثلا كان معنفا في طفولتة ومعظم القتلة المتسلسلين السيكوباتين هم أطفال معنفون في الأصل، وقد يولد شخصية اخرى تؤثر الانطواء والسلبية وتخاف التغير والحرية.. هو/هي شخصيات تابعة بدرجة امتياز.
الأخطر أن البعض يرى أنها الطريقة المثلى في التربية، وأن هذا ما يقّوم الأطفال ويصنع الرجال، فتجد في مصر وزيرا سابقا للتعليم يلغي حظر الضرب في المدارس، و يشجع عليه – كان المدرس بيضربنا ولما ما يكفيش الوقت بيكمل تاني يوم – لأنه ووفقا لخبراته المريضة هذا ما جعل منه رجلا عظيما!
اعلم جيدا أن هذا هو المنطلق الذي عنّف الأباء ابناءهم وفقا عليه.. عنف يصل إلى حد التعذيب ومسخ الشخصية تحت دعاوي التربية، واعلم أيضا – ويا للعجب – أنهم قد كانوا حسني النية، لكن في الحقيقة حسن النية الذي لا يصنع أعمالا جيدة، بل قد يقتل معنويا قبل بدنيا، هو عمل شرير.
الأكيد الأكيد أن بعضنا يحارب عقده وكلاكيعه حتى لا يصبح مجرد تابع في القطيع، يبلع قهره مع ذيله، أو يكون حاكما ظالما يتلذذ باحراق أرواح معارضيه، بل وشعبه، ولا قاتل متسلسل أو حتى محترف، والأكيد أن معظمنا يحارب بجسارة كل يوم – فقط – ليسامح أول أياد شكلت حياته كالطين اللين بمزيج من الحنان والقهر، ويكاد أن يمضي أيامه في القلق حتى لا تطول أمراضه أبناءه أيضا.
وفي وسط كل هذا النضال، سيظل الطفل ذو الست سنوات ملقى على الأرض وحيدا تتهدج أنفاسه وهو يئن بصوت متقطع.