بغض النظر عن كل ما حدث مؤخرا في قضية ريهام سعيد، وبغض النظر عن كونها قد نالت فعلا ما تستحقه، وبغض النظر عن تضارب الأقوال حول سبب وقفها، وبغض النظر عن الحكم القضائي الذي قد يصدر ضدها ليجعلها عبرة لغيرها، وبغض النظر عن الأذية التي لا تغتفر، والتي لحقت بفتاة حاولت أخذ حقها هي وأهلها، وبغض النظر عن بحر الظلام الذي سقط العالم فيه منذ زمن، وما ريهام وأمثالها إلا جزء من أمواجه، فإن هناك جانبا مضيئا في كل هذه القصة.
الجانب المضيء، أشعل فانوسه الشعب المصري والعربي، الذي لم أشاهده من قبل بمثل هذا التكاتف، ولا بهذا الاتفاق على قضية واحدة، فحينما يكون هناك عشرات الآلاف من التعليقات التي تضم كل الأطياف والأديان والمستويات الاجتماعية، والتي تتفق كلها على ضخ كمية هائلة من إهانة واحتقار تلك المذيعة التي حاولت أن تستغبي الرأي العام، فهذا يعني أن الرأي العام لا يمكن استغباؤه، قد يصمت، قد يتغاضى، قد يستسلم، لكنه ليس غبيا ولا عاجزا، ولا يمكن خداعه بقناع الفضيلة المزيف وتضليله عن القضية الأساسية الخطيرة المتمثلة في “التحرش” من خلال وضع صورة مراهقة مع حبيبها والتهويل عليها من طرف المذيعة كأنها شاهدت صورة مأخوذة من فيلم إباحي، لتوهم الناس أنها جريمة لا تغتفر تجيز لكل المتحرشين الاعتداء عليها، إذ مازال في عالمنا العربي أمل صغير في نخوة الناس وشهامتهم وفي أن ينتفضوا من أجل الدفاع عن فتاة عاكسها رجل رغما عنها وضربها حين ردت عليه مهما كان سلوكها الشخصي، فالعدل هو العدل والظلم هو الظلم، سواء وقع على أشرف امرأة في العالم أو على من تمتهن أقدم مهنة في التاريخ، وليس من حق أي كان أن يحاول أن “يتأله” ويحاسب الناس على أفعالهم الشخصية، الله وحده من يحاسب، والله وحده من يحكم، والله وحده من يقرر، متى يستر ومتى يهمل ومتى يمهل ومتى يضرب الأمثال، كما ضربها لنا في المذيعة المتذاكية التي سقطت إلى الحضيض، ونالت من الاحتقار ما قد تدخل به موسوعة جينيس ضمن فئة أكثر إعلامية طالتها الشتائم في التاريخ.
الجانب المضيء.. هو ذلك الدرس القاسي الذي نأمل أنه سيعلّم ريهام سعيد وأمثالها من المدعين في الإعلام، أن الناس ليسوا قطيعا يسوقونه كما يشاؤون ويتحكمون في ردات فعله كما تشاء عنجهيتهم لمجرد أنهم مشهورون أو قدموا برامج استقطبت مشاهدة عالية، وأن طريقة “اشتهر ولو بفضيحة” لم تعد قادرة على إعطاء نتائج جيدة، لأنه في زمن مضى كان من يشتهر بفضيحة، تنسى فضيحته في أرشيف الجرائد وتظل شهرته في أفواه الناس، أما الآن فتظل الفضيحة موجودة في تاريخه بالصوت والصورة ومقترنة باسمه في “جوجل” و”يوتوب” و”فيسبوك” إلى الأبد، ليصبح محط تندر الناس واحتقارهم، في حين تبقى الشهرة الحقيقية التي تصنع مجدا خالدا هي تلك التي تبنى على احترام الناس، لا على فضولهم، على إنسانيتنا لا على غرورنا، هي تلك التي تبنى على طريقة “أوبرا وينفري” لا على طريقة “ريهام سعيد”.