“مصر بلد الأمن والأمان، مصر بلد السياحة، مصر جاذبة للسياح”، هكذا انطلق السيد اللواء/ إبراهيم سيد- رئيس لجنة الفرق القومية لكرة اليد ببيانه الناري مهنئا الشعب المصري العظيم على الإنجاز التاريخي، واختطفت منه المذيعة الميكرفون معقبة “مصر ستبهر العالم”، ويبدو أن المخرج فاته تأطير العمل الفني البديع بأغنية “المصريين أهمه”.
قبل أن تتوقف عزيزي القاريء وتمنع ضحكة شريرة إنها تفلت وأنت بتسأل روحك طيب اللوا يمسك كرة اليد ليه؟ إحنا مش هنسأل السؤال ده علشان زي ما كلنا عارفين ومتأكدين أن كرة اليد في مصر كانت محتاجة رئيس ذو “خلفية” عسكرية تمام يا فندم، وبرضه عزيزي المواطن الصميم، مش هنشكك في إبهار مصر للعالم، أصلا إحنا مابنعملش حاجة الفترة الأخيرة غير إننا نصحى الصبح نبهر العالم.
عبثية تصريحات الفرحة العارمة لسيادة اللوا (النكرة) في الفوز ببطولة ماحدش عارف هيكون أصلا فيه بلد عقبال ما نوصل لـ 2021 بيتزامن مع حزمة من القرارت و الإجراءات الدولية، مختصرها إن جمهورية مصر العبثية أصبحت غير جديرة باستقبال الرعايا الأجانب، وده مش علشان مؤامرة كونية علينا، بل لسبب بديهي وبسيط كان غايب عن المسئولين وهم مشغولون بتمجيد الدولة وصاحب الدولة والتنقيط في الفرح، ألا وهو عدم التزامها بإجراءات الأمن والسلامة المتعارف عليها دوليا، فمن حق كل دولة إنها تحمي مواطنيها، كحق أصيل يعني.. أومال أنتوا فاكرين يعني الأجانب دول مالهومش دول تسأل عليهم.. طالما الشيء بالشيء يُذكر يعني، ف‘حنا لسه ماتعافيناش من مشهد “إبهار العالم” في حادثة مقتل السياح المكسيكين، فحتى تاريخه، لم يصدر تقرير واحد يفند أو يحلل أو يحاكم أو يراجع إجراءات الحماية لناس كل جريمتهم إنهم اختاروا البلد دي علشان يصرفوا فيها فلوسهم كسائحين.
يتزامن هذا المشهد مع أخبار تتناقلها وسائل الإعلام العالمية بشأن سقوط الطائر الروسية والإشارة إلى أن هناك ثمة شبهة تستوجب تحقيقات دولية (أومال أنت فاكر هنعمل لجنة تقصي حقائق محلية الصنع.. أبسلوتلي)، في نفس الوقت السلطة الحالية لم تطرح على الرأي العام أي شيء من شأنه تفسير ما حدث واعتباره مجرد خبر عابر في شريط الأخبار المحلية يتصدر رقم 3 بعد خبر إبهار العالم رقم 1 ببطولة كرة اليد.
في نفس ذات الوقت مدينة الإسكندرية واللي هي أحد أكبر المدن في جمهورية مصر العبثية بتتعرض لكارثة إنسانية بكل المقاييس، مع توقعات بتفاقم الكارثة مع الدخول الحقيقي لفصل الشتاء بنواته المتعارف عليها من أول ما الإسكندر غلط غلطة عمره وراح بناها.
عزيزي المشجع على المدرجات.. الإسكندرية إحدى المدن اللي هتستقبل منتخبات العالم على فكرة.. أصل يعني دي المدينة اللي حيلتنا، هنوديهم فين مثلا، واللي المسئولين برضه في تصريحات مشابهة طلعوا ببيانات عن قرارات عاجلة لمعالجة الأزمة، واللي إن شاء الله في النوة القادمة نهيب بالسادة مواطني مدينة الإسكندرية وغيرها من المدن المنكوبة إنهم يطبعوا القرارات دي على ورق إيه فور 8 جرام بكميات كبيرة ويحتفظوا بيها ورا الباب أو تحته علشان يمنعوا أن بيوتهم تتحول لبحيرات متحركة في مواسم النوة القادمة.
اعلم جيدا أن هناك أصوات ستنعتني أنني مثل غراب البين اللي عمال يأوأ على الخراب، وإني من معاول الهدم والتخريب وهيزعقوا في وشي “أبدا لن تسقط مصر”، مصحوبة بنبرة تحدي تشبه صريخ إعلانات السمنة والتأكيد إنها فلاحي وتحدي.. هيقولوا بعيون مغرورقة بالدموع “تحيا مصر”.. “تحيا مصر”.. “تحيا مصر”.. قالها ثلاثا ثم غرق في شبر مية.
واعلم جيدا أن هناك اتهامات جاهزة بالعمالة والتخوين، وعلي أقل تقدير ستكون التهمة الجاهزة “ما تبطلوا شماتة”، لأن الرد البديهي أننا بالداخل والبيت هتيطربق على دماغنا يا أبو السلاطين.
نحن بحاجة للحظة صادقة من إدراك حجم المأساة الحالية والمتوقعة، الإغراق في الشعارات والإنكار والكذب ونفخ بالونات الوهم وإجبار الناس على ابتلاع أقراص الوطنية بجرعات مكثفة، مش هيمنع القادم ومش هيمنع إن الواقع هيتوحش، وكفاية مشاهدة عابرة على بقية المربعات في الشاشة المقسومة بين عدد لا ينتهي من الكوارث وابهار العالم، علشان تقولكم إن كفاية إبهار بقى.. الواقع هيتوحش وهيطلع ويعضكم في منطقة “مش هكتبها.. علشان ميصحش كده”.
كفاية شعارات من كتاب “لن تسقط مصر”.. كفاية إبهار.. العالم خلاص انبهر، والرسالة وصلت واتعلمّ علينا.