اليوم : الجمعة 28 اغسطس 2015

 

يبدو أن الدولة على مدار العامين الماضيين قررت أن تتبع مدرسة قانونية جديدة جدا، ألا وهي مدرسة “الاستهبال القانوني”. لمن لديه أقل خلفية قانونية يدرك تماما أن ما تقوم به الدولة لا يمت لأي قواعد أو مبادئ في الفقه القانون والدستوري إطلاقا، فربما نتوقع استخدام أسلوب “الاستهبال” من المسؤولين والحكومة فيما يتعلق بالتصريحات السياسية مثلا, لكن أن يصل الاستهبال إلى تشريع وتطبيق القانون, فهذا أمر فاق الحد.

وبعد أن تكلمنا كثرا حول التلاعب بالقانون والتصميم على إصدار قوانين في غياب مجلس تشريعي، بل وفي غياب الدستور نفسه وعدم وجود مرجعية دستورية للقانون, نجد أن النظام يفاجئنا بكل ما هو جديد ويتفنن في أساليب التحايل على القانون، فبعد أن أصدر النظام قانون التظاهر الجديد في غياب مجلس الشعب والدستور, وبعد أن بُح صوتنا من الكلام حول هذا القانون ومدى عدم دستوريته وعدم توافقه مع المعايير الدولية أيضا, وبعد أن تجاهلنا النظام تماما واستمر في حبس أبرياء مستخدما هذا القانون الظالم مثل يارا سلام وسناء سيف, فوجئنا بالنظام يقوم بما أنا أطلقت عليه مصطلح “انتهاك الانتهاك القانوني”.

قرر النظام أن ينتهك هذا القانون القمعي الذي هو انتهاك للتشريع في حد ذاته، وقرر ألا يطبقه على مظاهرات أمناء الشرطة, متعللا بعذر لا يمكن وصفه إلا بأنه “استهبال قانوني”، حيث  صرح مساعد وزير الداخلية للعلاقات العامة والإعلام اللواء أبو بكر عبد الكريم أن ما قام به أمناء الشرطة هو مجرد “وقفة احتجاجية”، ولا يمكن إدراجه تحت كلمة “مظاهرة”، ولذلك لم يتم تطبيق قانون التظاهر عليهم.

بدأت الأزمة عندما قام أمناء وأفراد الشرطة بمديرية أمن الشرقية للمطالبة بتحسين ظروف عملهم وصرف مستحقاتهم المالية, والتي من ضمنها ما يسمى بـ “منحة قناة السويس”، وهي منحة ما كنا لنسمع عنها لولا هذه الأزمة، والتي حتى الآن لا نعرف ما هي بالضبط وتصرف لمن ومن أي ميزانية، ثم قام الأمناء باقتحام مقر المديرية بالزقازيق بعد أن حاولت قوات الأمن تفريقهم ومنعهم من دخولها.. لم يكتف المتظاهرين بهذا، بل أعلنوا أنهم سيمهلون الوزارة حتى ٥ سبتمبر لتنفيذ مطالبهم، وإلا سيتم التصعيد مرة أخرى بتنظيم إضراب على مستوى الجمهورية.

طبعا أرى أنه لا داعي للكلام عن الكيل بالمكيالين وعدم المساواة في العدالة ومثل هذه الشعارات، فأنا أعتقد أننا في مرحلة أعمق وأعقد و أسوأ من هذا بكثير جدا.. نحن هنا أمام حالة استهبال علني مع سبق الإصرار والترصد. هناك العديد من الدلائل والبراهين على أن ما يحدث في موضوع مظاهرة أمناء الشرطة هو نموذج متجسد للاستهبال القانوني, وعلى سبيل المثال: قال بعض المسؤولين أنهم لا يستطيعون فض الاعتصام لأنه “مسلح”، وذلك حقنا للدماء, مع أن نفس العذر تم استخدامه لفض إعتصامات أخرى فقط لأنها مسلحة!

مثال آخر, صرح مسؤول آخر أن ما قام به أمناء الشرطة ليس مظاهرة، لكنها مجرد عرض لـ “مطالب فئوية”.. الغريب هو أن تصنيف “مطالب فئوية” يمكن أن يطلق على أي مظاهرة بكل بساطة, لكن في حال أمناء الشرطة تم استخدامها أخيرا في مكانها الصحيح قانونيا، لاعطائهم مبرر لعدم فض المظاهرة بالقوة. العجيب أن هذا من المفترض أن يكون الإجراء الطبيعي لأي مظاهرة, لكنهم في بعض المظاهرات رأوا أن شخص مثل شيماء الصباغ وهي تحمل الورود أخطر بكثير من أمناء شرطة مسلحين, لذلك قتلوها بدون تفكير أو تبرير.

من قبل حذرت النظام من التلاعب بالقانون والتشريع بدون سلطة تشريعية, وكنت أعتقد أن هذا آخر ما قد يصل إليه النظام من فساد، لكن وصوله لمرحلة أنه يتلاعب بالقانون الذي خلقه بنفسه ليتلاعب به على الوضع, فذلك أمر يفوق أي تصور.

أضم صوتي للبيان الصادر من الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان وأطالب النظام وبكل بساطة بإعلان سقوط دولة القانون في مصر, فلا داعي للتمثيل والادعاء و”الاستهبال” أكثر من هذا.

تعليقات الموقع

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة

الأكثر تعليقا

النشرة البريدية

تابعنا على فايسبوك

اعلان