اليوم : السبت 04 يوليو 2015

فى إطار الدورة الرابعة بمهرجان الأقصر الأفريقى من 16-21مارس 2015، وفي قاعة المؤتمرات بالأقصر وبعروض بالتقنية الحديثة، استمتعت بمتابعة عدد من أفلام تتنافس على جوائز أقنعة توت عنخ آمون البرونزية والفضية والذهبية في مسابقة الفيلم التسجيلي الطويل، ضمت لجنة التحكيم السيدة درة بوشوشة رئيس مهرجان قرطاج العريق بتونس، والمخرج مجدي أحمد علي والكاتب مدحت العدل ومدير التصوير محمد شفيق والمخرج سيدي دياباتيه من مالي.

شاهدت اللجنة الأفلام مع المشاركين بالمهرجان، وهذا الالتزام يوفر احتراما لمواعيد العرض وانتظاما لها.

تشهد الأفلام الوثائقية تطورا رفيعا ومتواصلا بعدما تزايدت القنوات الإخبارية والقنوات الوثائقية المتخصصة، وأصبحت تحصل على دعم إنتاجى يوازى الدعم الذي تحصل عليه الأفلام الروائية وأكثر، من بين الأفلام التسعة التي شاركت مسابقة التسجيلي، تمكنت من اللحاق ببعضها.. أعجبني فيلم “أدى جاسي،طريق مدغشقر” من مدغشقر لمخرج درس علم الاجتماع في فرنسا، ثم السينما، قبل أن يخرج فيلمه الأول الذي ركز فكرته على طريقة الحياة في مدغشقر، والتي يعيش سكانها على تدوير النفايات ليصنعوا أحذية من إطارات السيارات القديمة، والدواء من عظام الحيوانات والمصابيح من علب الحليب الفارغة.

أظهر المخرج الجميع – رجالا ونساءا- يتشاركون في العمل.. أسهب في ذكر تفاصيله وركز في النهاية على الاحتفالات والرقص، حيث شاهدنا فرقا تعزف ويلتف حولها الناس، وخاصة الأطفال يرقصون وكأنهم ولدوا ليرقصوا.

الموسيقى والرقص ثقافة مميزة لشعوب أفريقيا، ركز عليها فيلم إيقاعات الأنتونوف من جنوب السودان للمخرج حجوج كوكا، الذي درس بالجامعة الأمريكية بلبنان، ثم بجامعة في كاليفورنيا، حاز فيلمه على القناع الذهبي من لجنة التحكيم الموقرة، التي ضمت ثلاثة مصريين وتونسية، لم ينحازوا في قراراتهم للفيلم المصري، ولا التونسي، وجاءت النتائج التي توصلوا إليها مرضية للعدد القليل الذي تمكن من مشاهدة الأفلام، حيث تتقاطع المسابقات والندوات، بحيث يصعب اللحاق بالبرنامج وبتنويعاته المختلفة من عروض وندوات.

قام حجوج كوكا بالتصوير والمونتاج ليخرج عمله الأول الذي استحق الجائزة لتدفق إيقاعه ونجاحه في عرض مشاكل وصراعات مناطق جنوب السودان والنيل الأزرق وجبال النوبة مازجا بين المعلومة التي تشرح على لسان أصحابها، وبين طقوسهم الخاصة في الرقص والغناء.

صور مثقف سودانى جالسا تحت شجرة، يعبر بتحليل المثقف عن مفارقة أن يتمضن الاحتفال بالخرطوم كعاصمة للثقافة العربية فنونا أفريقية، الرجل غاضب من تجاهل الهوية الأفريقية في السودان، وككل مثقف لديه موقف ثوري يتفهم الرغبة في الانفصال ويبررها بتجاهل خصوصية العرق الأفريقي في مناطاق السودان المختلفة، كما قدم المخرج وجهة نظر لفتاة من نوبة السودان تشرح خصوصية ثقافة النوبة وجهود المحافظة على تراثهم الغنى.. فقط في ساعة وخمس دقائق، تمكن من التعبير عن كيفية تغلب مواطنيه على المشاكل واحتفاظهم بهويتهم الثقافية رغم التهجير والظروف المناخية الصعبة.

الصورة بديعة والصوت في منتهى النقاء، مما يؤكد على أن المخرج أتيحت له إمكانيات إنتاجية كبيرة، انعكست على المستوى الرفيع للفيلم الذي جمع بين جمال الصورة وغزارة المعلومات.

وحصد “ممرات الحرية ” من ناميبيا القناع البرونزي.. “المعاناة مدرسة الحكمة” للمخرجة أريان استريد أتودجي من بنين.

احتلت الموسيقى والغناء جانبا كبيرا من أفلام مسابقة التسجيلي التي شارك فيها الفيلم المصري “جاي الزمان” للمخرجة دينا محمد حمزة، متناولة مشوار حياة والدها شاعر الأغاني والصحفى محمد حمزة، بحميمية ودفء عكست دينا أهمية الغناء في حياة المصريين، وتجاوزت الحديث عن الوالد، ليصبح عرضا عاما لعبد الحليم حافظ وبليغ حمدي، ومحطات سياسية في حياة المصريين بين مرارة الهزيمة وحرب الاستنزاف ونصر أكتوبر، كما عكست قضايا اجتماعية كالهجرة والاضطرار للغربة التي عبر عنها محمد حمزة في العديد من الأغاني مع نجاة ووردة وغيرهما.. الوداع واللقاء.. الحب والافتراق.. بين الخاص في علاقتها بوالدها، والعام في تاريخ مصر القريب.

في لقاءات مع التوأم دعاء والأخ الذي يظهر للمرة الأولى، قدمت دينا شخصية الأب والفنان، وحاولت إيجاد بدائل لطريقة تقديم الشخصيات في الأفلام بالتصوير في مواقع تناسب معاني الأغاني، مثل حديقة الأزهر وشاطيء النيل.

ساد الغناء على الفيلم لأوقات طالت أنستنى أنه عن الأب، وبدا كفيلم عن عبد الحليم حافظ نفسه ورومانسية ارتبطت به، جعلت فتاة جميلة تقدم على الانتحار بعد موته.

أعادت دينا تمثيل مشهد الانتحار في محاولة للتماهي بين الفتاة المنتحرة حزنا على عبد الحليم، وبينها هي حزنا على وفاة والدها، لكنها فى لقطة هامة قرب النهاية تلعب بالبالونات سائرة بخطوات مهتزة – سببها في الحقيقة إصابة تعرضت لها- محاولة التعبير عن محبة الحياة رغم فقد الأحباب.

على المستوى التقني، ظلمت دينا بصورة فيلمها بكاميرا متوسطة الجودة وبتسجيلات صوت غير جيدة مع غيلان من أفلام صورت بكاميرات عالية الجودة تعاون فيها فريق من أكبر المحترفين، كما الفيلم الفائز بالذهبية وأفلام أفريقية أخرى مدعومة إنتاجيا من جهات عدة، مما جعل المستوى التقني لها رفيعا، يصعب منافسته مع أفلامنا التي مازالت تعاني معاملتها كأفلام من الدرجة الثانية، وينظر لصناعها – للأسف – على أنهم ينتظرون لحظة الترقي ليصبحوا سينمائيين من الدرجة الأولى مع فيلم روائي طويل.

لم يخرج فيلم “جاي الزمان” خالي الوفاض، إذ حصد جائزة مؤسسة الشباب المستقلين التي أعلنها الناقد فاروق عبد الخالق، كما حاز إعجاب جمهور الأقصر الذي حضر العرض الثاني للفيلم بمركز ثقافة الأقصر الذي يحتاج تجديدا لأجهزة العرض به، ووجدته المكان الأنسب لعروض يلتف حولها جمهور الأقصر الذي يتواجد في القصر لأنشطة متنوعة، منها معرض الفن التشكيلي الذي أقيم على هامش المهرجان، وشكلت لوحاته جوا مريحا لكل من يحضر فعاليات المهرجان. تحتاج الأقصر جهودا من أهلها، وخاصة شبابها من الفتيات والفتيان لتتواصل الفعاليات الثقافية، ولا تكون فقط فعالية تم استيرادها من العاصمة حيث القاهرة مركز الجمعية التي أسست المهرجان وتديره، وهي مؤسسة شباب الفنانين المستقلين التي تقدم فعاليات عدة وخاصة في الأماكن المحرومة والمهمشة.

على شباب الأقصر أن يبذلوا الجهد بتنشيط المناخ الثقافى قبل التعجل في الانضمام إلى صناع السينما، وخاصة عندما يسيئون الفهم ويتصورون أن عددا من المحاضرات في ورشة للسينما كافية لتمكينهم من صنع فيلم.

ولهذا اطالب بمراجعة سياسة الورش وترشيدها، لكي تحقق هدف الارتقاء بالفيلم وتحقيق نماذج منه تنجح في المنافسة في مهرجانات عدة داخل مصر وخارجها.

 

 

تعليقات الموقع

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة

الأكثر تعليقا

النشرة البريدية

تابعنا على فايسبوك

اعلان