اليوم : السبت 04 يوليو 2015

عرفت الأخلاق بأنها قيم أو منظومة قيم، تعرف عليها الإنسان باعتبارها جالبة للخير وطاردة للشر، قيل عنها إنها هي شكل من أشكال الوعي الإنساني، وهي مجموعة من القيم والمبادئ تحرك الأشخاص والشعوب كالعدل والحرية والمساواة، وترتقي إلى درجة أن تصبح مرجعية ثقافية لتلك الشعوب، لتكون سنداً قانونياً تستقي منه الدول الأنظمة والقوانين. وحينما تتحدث عن خلق من الاخلاق التي استقرت عليها كافة المجتمعات واختارتها الفطرة السليمة للبشر على اختلاف جنساياتهم وألوانهم ومعتقداتهم، كالصدق والأمانة والإخلاص وغيرها، ستظل في النهاية قيما معنوية، طالما لم تتجسد في أشخاص اختاروا أن تكون هذه القيم سلوكهم اليومي ومرجعياتهم عن كل تصرف، ولم أجد في حياتي كلها أجمل وأرقى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.. رجالا تفتخر بهم الأخلاق وتنتسب إليهم أكثر مما يفتخرون بها، وينتسبون إليها.

يقول عنهم الصاحب الأعظم سيدنا رسول الله في أبلغ وصف: “إن الله اختارني واختار لي أصحابي”، فهم ليسوا مجرد رجال ونساء اختاروا الأخلاق الجميلة طريقا، لكنهم مختارون من قبل الله عز وجلزز صنعهم لأجله، فكانو كما وصفهم صاحبهم أيضا صلى الله عليه وسلم “أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم أهتديتم”.

الاقتداء هنا ليس بإخلاقهم النبيلة، بل بهم مباشرة.. لقد فنت الأخلاق فيهم فناء محب عاشق، حتى لا يستطيع منصف أن يميز بين الحياء وبين سيدنا عثمان بن عفان، أو يميز بين الصدق، وبين سيدنا أبو بكر بن أبي قحافة، الذي يصف رسول الله إسلامه فيقول:

ما دعوت أحدا إلى الإسلام، إلا كانت عنه كبوة، ونظر وتردد، إلا ما كان من أبي بكر بن أبي قحافة.. ما عكم عنه حين ذكرته له، وما تردد فيه.

لقد كان مهيئا قابلا مسلما قبل أن يدعوه أحد، لذلك كان ذائبا في محبة صاحبه.. عاشقا لرسول الله، مصدقا لكل كلمة قالها الصديق للصديق ببذل نفسه وروحه وماله من أجله.. يترك أهله ويهاجر معه دون أن يترك لهم مالا من أجل أن يصحب صاحبه في رحلة ثمنها الروح.

وهب عقله وقلبه وروحه وجسده للمحبة، ودفع الثمن راضيا متنازلا عن كل شيء.. المكان والمكانة، والأهل والمال والتجارة والمجتمع الذي ينتمي إليه، وهو الرجل الذي اشتهر بحسن العلاقات بينه وبين الجميع.. الرجل الذي يحفظ أنساب العرب، المعروف لدى كل بيت من بيوت مكة.

باع كل ذلك في لحظة واحدة واشترى من أحب، فصار بإمكانك – ببساطة- حينما تتحدث عن الصدق كخلق، وتريد أن تجسد هذا الخلق وتقربه من أذهان الناس، أن تبدل كلمة الصدق بكلمة أبي بكر بن أبي قحافة.. هكذا كان الرجل، وهكذا كانت قصته مع المحبة.. إنها المحبة التي تحول صاحبها إلى خلق يمشي على الأرض.

وهي عين المحبة التي دخلت قلب سيدنا عمر بن الخطاب، وحولته من الشديد إلى الهين اللين.. من الرجل الذي وأد طفلته في الجاهلية إلى أحب العيون الهطالة بالدموع في الإسلام.. من الرجل الذي يخشاه الناس لقوته، إلى الخليفة النائم تحت شجرة بلا سلاح ولا حرس، ومن العنيف الحاد إلى المسكين الخاضع الخاشع بين يدي حبيبه صلى الله عليه وسلم، والرجل الذي يدفعه العدل إلى إقامة الحد على ابنه، ويسير في الأسواق وهو خليفة الدولة العظمى بردائه المرقع.. يأنف الفقير أن يرتديه.

الرجل الذي صنعته المحبة، تستطيع بكل ثقة وهدوء، حينما يسألك أحدهم: ما هو العدل؟ أن ترد ببساطة وثقة: العدل هو عمر بن الخطاب، وكأن الله أراد أن تصنع محبة حبيبه في هؤلاء الرجال العجب، وتحولهم إلى أخلاق تسعى.

ها هو سيدنا عثمان بن عفان، يغمض عينيه بخجل ورقة، ويطبق جفونه على صورة حبيبه سيدنا محمد، فيتملكه ويغلبه الحنان، ويملأ بيته النور.. يهب الجيش ماله مبتسما خجولا، ويشتري البئر، ويهبها للعطشى، وهو مطرق في الأرض لا يتحمل كلمة شكر واحده، متخلقا بخلق من أخلاق الله، فالله حيي ستير، وسيدنا عثمان حيي ستير.. يمنعه الحياء والخجل من حتى أن يدفع عن بيته قاتليه، ويموت صائما شهيدا على مصحفه، ويسيل دمه تماما كما بشره حبيبه على صفحات المصحف الذي جمعه، وتحديدا علي الآية الكريمة “فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم”، لقد كفاه الله أمر الدنيا، وجعله يفطر في الجنة مع صاحبه، لأن الدنيا أقسى من قلب عثمان، فإذا أردت أن تعرف ما هو الحياء فقل: هو سيدنا عثمان بن عفان.

على باب رسول الله ليلة الهجرة، يقف عشرة رجال أشداء بسيوف تستعد للغمد في أشرف صدر، لتقتل نور الله الحي، ولكن خلف الباب.. هناك صبي عظيم ينام مطمئنا هادئا من أجل أن يفتدي حبيبه.. إنه سيدنا علي بن أبي طالب، الذي ربته المحبة في بيتها وصنعته على عينها، وأدرك مع كل نظرة بينه وبين عيون حبيبه صلى الله عليه وسلم، أن هذه العيون تستحق أن يفديها بروحه، فصار من المنطقي والطبيعي حينما تتحدث عن الفداء والإخلاص، وتحاول أن تصفهم في أوضح صورة، أن تقول هما علي بن أبي طالب، فاصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما هم إلا صورة من أخلاقه، وإذا أردت أن تقول، ما هي الصورة الكاملة المكتملة لمعنى كلمة الأخلاق أن تقول: الصورة هي صورة سيدنا محمد بن عبدالله، وألوانها الخالدة هم أصحابه.

 

 

تعليقات الموقع

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة

الأكثر تعليقا

النشرة البريدية

تابعنا على فايسبوك

اعلان