الحقيقة إن في الحياة القاسية اللي إحنا عايشينها, الواحد بمجرد ما بيعرف يخطف نفسه لحظة من الساقية اللي هو داير فيها, ويلتفت لروحه الجعانة للغذا, ويتوجه لربنا بخشوع وخضوع طالب احتواء وقرب وملاذ, هو كده وصل واعتصم بحبل الله!
بالبساطة دى؟ آه بالبساطة دي, لأن في الواقع إن الإسلام لما جه يتكلم عن اللجوء لله ماخلاش فيه أي عقبات أو واسطة بين الفرد وبين الله سبحانه وتعالى, وإن حقيقة العلاقة بين الإنسان وربنا زي ما هنشوف في النقط المختصرة الجاية:
أولا: مفيش واسطة:
– جوهر العبادة في الإسلام هو “الدعاء”, اشمعنا يعني الدعاء بالذات؟ لأن ربنا سبحانه وتعالي قال : “وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (غافر-60) ودة معناه ان ربنا عوض عن كلمة “ادعونى” في أول جملة بكلمة “عبادتى”في الجملة التانية واللي يفسرلنا دة معناه ايه قول النبي صلي الله عليه وسلم «إن الدعاء هو العبادة», وقوله أيضا “الدعاء مخ العبادة” .
– الدعاء اللي هو له الأهمية دي في الصلة بالله سبحانه وتعالى, ربنا قال عنه في القرآن الكريم: “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِ”.. الآية (البقرة:186), فربنا سبحانه وتعالى ما قالش للنبي عليه الصلاة والسلام “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي” فقل, إني قريب, لكن سبحانه وتعالي قال “فَإِنِّي” بدون (فقل) وده المتأمل فيه بمنظور لغوي هيلاقي دلالة مفادها إن الإسلام بديهي فيه إن مايكونش في واسطة بين الفرد والله سبحانه وتعالى, ودي قاعدة عامة في الإسلام.
ثانيا: الدعوة عامة:
باب الصلة بالله ما بيتقفلش حتى في وش غير المسلمين، فربنا سبحانه وتعالى بيقول: “وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِى مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ ۚ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا ۖ إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (الزمر-8), وده معناه إن غير المؤمنين بالله, ربنا بيقبل دعاءهم في الشدائد ويستجيب لهم, وده مدلوله إن مفهوم الصلة بين الفرد والله سبحانه وتعالى عام مش للمسلمين بس.
ثالثا: لا حرج على فضل الله:
في موضوع التوبة ربنا سبحانه وتعالى جل شأنه لم يجعل هناك أي حدود للمغفرة, فقال تعالى: “قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ” (الزمر:53) , وجاء في الحديث القدسي: “يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً”, والسنة النبوية فيها نصوص متعددة في السياق ده على سبيل المثال قوله صلى الله عليه وسلم: “إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها”
بعد اللي فات ده كله، بصراحة مش عارف مين اللي بتجيله الجرأة يقفل باب الرحمة والمغفرة والصلة بالله في وش عبيده حتى لو كانوا مسرفين في المعصية (يعني مفيش حاجة سيئة ما عملوهاش), وحتى لو كانوا أصلا مش مسلمين.
رابعا: الكيف لا الكم:
“كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به”, اشمعنا الصوم؟ لأنها عبادة بيتجلى فيها الإخلاص اللي هو السلوك الحاكم للعلاقة بين العبد وربه في الإسلام, والإخلاص ده محله قلب الفرد ولا مطلع عليه من أي من المخلوقات, وكمان الفرد بيترقى بمقدار الإخلاص ده وحده, فالأولوية في الإسلام للكيف مش الكم، بمعنى إن لو عندنا واحد تصدق بمليون جنيه وواحد تصدق بجنيه، فالعبرة في الاسلام بإخلاص النية لله مش بكام جنيه تصدق بيه كل واحد، وده من عدل الإسلام.
خامسا: “لا يكلف الله نفسا إلا وسعها”:
والإسلام نصوصه بتدلل على إن الله سبحانه وتعالى بيراعي في كل التكاليف كل فرد وظروفه وأحواله الخاصة, ومحدش هيعرف يقدر الظروف دي ولا يفهم مغزاها إلا الفرد نفسه أو ربه اللي خلقه مش أي حد تاني “أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ” (الملك :14).
سادسا وأخيرا بقى: “استفت قلبك وإن أفتوك”:
باين إن في تناقض بين معالم علاقة الفرد بالمولى عز وجل والمفهوم المشوه اللي بيصدره بعض اللي بياخدوا الدعوة كمهنة مش كرسالة, بس مش ذنب الإسلام إن دول اللي تصدروا للدعوة.
الواحد في الآخر لازم يفهم إنه هيتحاسب لوحده لأن ربنا بيقول: “وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ” (مريم – 95), فالمسؤلية العقدية والأخلاقية فردية, يعني الشيخ اللي فهم الواحد الدين غلط مش هيبقى محامي عنه يوم القيامة, بل إن الشيخ ده نفسه ممكن يكون أول واحد تكتشف بعده عن ربنا, فأول من تسعر به النار يوم القيامة عالم وقارىء للقرآن, زي ما النبي عليه الصلاة والسلام قال: “وَرَجُلٌ تَعَلّمَ العِلْمَ وَعَلّمَهُ وَقَرَأَ القُرْآنَ، فَأُتِى بِهِ، فَعَرّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلّمْتُ العِلْمَ وَعَلّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ القُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنّكَ تَعَلّمْتَ العِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ القُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِىءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتّى أُلْقِيَ فِي النّارِ”, فالإنسان مهما حصل، ماينفعش يسلم قلبه وعقله لبشر ممكن تغره مطامع الدنيا وتوجهه, لازم الواحد يعي إن ضميره لازم يبقى في كل الأحوال هو الحاكم على المعتقدات اللي بينتج عنها الأفعال والتصرفات، مش أي حاجة تانية.
ولحظات الصدق هي اللي بتنفع الواحد، لأن ربنا سبحانه وتعالي بيقول: “وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِين”(العنكبوت:69) فجهاد الواحد لأهوائه وصحوته المفاجئة من وقت للتاني واللي بتخليه يحب يقرا ويعرف وما يهربش من شكوكه,هي اللي بتخليه يوصل في الآخر للحق اللي قلبه يطمن له وعقله يقتنع بيه، فتحصله حالة السكينة والطمأنينة والسعادة اللي بيدور عليها في التدين.