اليوم : الجمعة 03 يوليو 2015

بعد أن انتهت موجات المزايدة والمناطحة والكر والفر بخصوص المناظرة النارية، ما بين الجفري والبحيري والأزهري، والتي صال وجال فيها الجميع حول نظريات التجديد والتنوير والتبرير والتفكير وقليل من التكفير.. رأيت أنه ومن الواجب الصمت عن مثل هذه المناظرات الحمقاء، والتي لا تسمن أو تغني من جوع، سوى جوع المستثمر النهم صاحب القناة التي تنهال عليه عقود الإعلانات في الفواصل بين المناظرات النارية.

في الحقيقة أنا لم أشاهد المناظرة، ولم اهتم بمشاهدتها، فيكفيني النظر إلى رد فعل الجميع منها.. التنويري والوسطي الكيوت والسلفي الأصولي، وبعد مشاهدة كل ردود الفعل تلك، تذكرت موقفا واحدا يستطيع أن يلخص كل هذه المهاترات الفكرية التي تحدث في مجتمعنا.

هذا الموقف يقوم بتلخيص التاريخ والجغرافيا والدوجمات والميتافيزيقا.. كلمة واحدة قالها رجل أشعث أغبر قليل الشأن مغمور الاسم.. قالها، وهو لا يتخيل أن كلمته الوجودية هذه قد تلخص أعواما وأعواما من الاقتتال الفكري بين الفرق المسلمة والفرق المجتمعية.

تلك الكلمة المنتظرة قالها أحد الرجال في جلسة صوفية، تم تصويرها بالفيديو، حين كان المنشد يجود بكلمات المديح في حب آل بيت النبي، فقام هذا الرجل متأثراً جداً، وقال كلمته الشهيرة: “يحرق ميتين أمك ياللي ماتصلي على النبي”.

تلك الكلمة، وإن بدت عنيفة وبسيطة وخارجة عن السياق الأخلاقي، لكن على الرغم من كل ذلك، فإنها أيضاً تلخص كل شئ يحدث في مثل هذه المناظرات، وفي أي حوار مجتمعي حول أي نقطة من نقاط الخلاف الديني أو الفكري، فكل شخص من أشخاص المناظرة، يريدك أن تصلي على النبي، وإن لم تصل، فبالتالي “يحرق ميتين أمك”.

الكلمة هذه وعلى الرغم من بساطتها، لكنها بالفعل تحمل العمق لأصل الأشياء في حياتنا المصرية البسيطة.. رجل يعرض عليك عرضين.. إما أنك تصلي على النبي، أو إنك “تجيب التهزيق لأمك”، وكذلك مثل هذه المناظرات والحوارات.. إما إنك تقتنع بالرأي الخاص بي، وإما “يحرق ميتين أمك”.

البخاري صحيح وإلا “هتجيب الكلام للست الوالدة”

الحجاب فرض وإلا “هتيجب الكلام للست الوالدة”

تجد أن هذا الموقف ليس فقط بين أبناء الشارع الثقافي التنظيري فقط، لكنه أيضاً بين أفراد المجتمع العاديين.. إما أن تقتنع برأيي، وإلا “إنت عارف رأيي في والدتك”

لذلك وعلي الرغم من النتائج التي خرجت بها مثل هذه المناظرة، أو مليون مناظرة بعدها وقبلها، لكن تظل النتيجة واحدة، أن كل طرف من أطراف المناظرة، يبتسم في وجه الآخر، ويقول في سره تلك الكلمة الشهيرة التي ذكرتها من قبل، وأيضاً المتعاطفين مع أي طرف من أطراف المناظرة، سواء كان البحيري أو الأزهري أو الجفري، تراهم أيضاً يكررون نفس الكلمة، في حق الفريق الآخر.

المناظرات والاختلافات والمناقشات، من المفترض أن كل شخص فيها يقوم بإظهار رأيه وتفنيده وتأكيد صحته، دون التجريح في الآخر أو في رأي الآخر، أو التشكيك في مصداقية أو صدق الآخر.. تلك هي المناظرات، وبالطبع نحن لا نتكلم عن مناظرات في الاختلاف ما بين الإشتراكية والرأسمالية، نحن نتكلم عن قناعات دينية كل شخص له كامل الحرية في تصديقها أو تركها.. تلك هي المناظرات، أما ما يحدث الآن، فلا يمكن وصفه سوى بأنه معركة بالأيدي والأسلحة البيضاء بين بعض البلطجية لتحديد مناطق نفوذهم لفرض الإتاوة “الفكرية” على تابعيهم.

لذلك ولهذا السبب، أنا لا اهتم بمثل هذه المناظرات، ولا يوجد أي فائدة أو قيمة مضافة منها.. لأنها وفي النهاية.. “هتجيب الكلام لأمي”.

 

تعليقات الموقع

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة

الأكثر تعليقا

النشرة البريدية

تابعنا على فايسبوك

اعلان