بيحصل كتير إن شخص يموت في دولة غير دولته (أجنبي يعني) بسبب فعل إرهابي أو حادثة أو غيره، فتلاقي من حكومة دولته وسفارته رد فعل معين يعكس مدى اهتمامها بمواطنها اللي مات خارج حدود دولته.. رد الفعل ده بيأثر بشكل رهيب في درجة الانتماء والولاء عند باقي المواطنين، فإما أنهم يحسوا أن بلدهم دي عاملة زي الأب الحنون اللي دايما في ضهرهم.. بيحميهم ويجيب حقهم، وكنتيجة لكده هيزيد حبهم للبلد واستعدادهم للبذل والعطاء لها، أو يحسوا إن بلدهم دي زي مرات الأب اللي مش فارقه معاها إن ولادها يغوروا في ستين داهية وميستحقوش لحظة حزن حتى، وده بالضرورة هيقلل إحساس الباقين بالانتماء وهايحسسهم باليأس والذل.
مثلا في حادثة مقتل السياح المكسيكيين في مصر، شفنا وزيرة خارجية المكسيك تاني يوم في مؤتمر في مصر بتطالب الجانب المصري بعمل تحقيق يبين إزاي مواطنيها اتقتلوا بالغلط .
أما في حادثة التدافع الأخيرة في موسم الحج، فتنوعت ردود فعل الدول.. الأردن أرسلت طائرة للعودة بجثامين الضحايا الأردنيين.. باكستان والهند عملوا لجنة لمتابعة أوضاع الحجاج المصابين وتأمين تواصلهم مع أسرهم، أما المغرب فأرسلت بعثة زي حكومة مصغرة كده عشان تبحث عن رعاياها بالتعاون مع السلطات السعودية.. دول تانية أعلنت الحداد في بلادها، أما عن مصر.. بلد الشعارات والحوارات، فلا صوت يعلو على صوت صرصور الحقل!
اعتمد الناس على الفيس بوك أو على سؤال معارفهم المتواجدين في المملكة عن أي معلومات عن المفقودين بعد فقدان الأمل في السفارة أنها تقوم بأي عملية تنظيمية للبحث عن المصريين المفقودين في الحادثة.
رد فعل النظام في الحادثة دي هو نفس رد فعلها على آلاف الحالات المشابهة.
المصريون بسم الله ما شاء الله متنطورين في كل بلاد العالم، وبسم الله ما شاء الله برضه لهم نصيب الأسد في معظم الحوادث والبلاوي اللي بتحصل في أي حتة، لدرجة أن لو حصل انهيار جليدي في القطب الشمالي مش بعيد تلاقي ضحايا مصريين مع البطاريق النافقة، ومع ذلك لا تجد أي رد فعل من الجانب المصري، فليمت من يمت، فلينتهك وليظلم وليسجن من يشاء.. البلد ماعندهاش وقت للنظر لتلك التفاهات أو حتى للتعليق عليها طالما مفيش مصلحة عائدة لها.
الحكومة المصرية طول عمرها بتبص للمصري في الخارج كأنه عبد آبق ، فلت من أنه يتعصر ويتحلب زي باقي أخواته اللي جوا ، ويادوب بيتعصر عصرة خفيفة لما ييجي تحت إيديها في تخليص ورق ، تجديد باسبور ، تصريح عمل .. بس واضح أن دا مش كافي في نظر النظام الحالي اللي من الواضح أنه حاطط المغتربين كهدف بيدرس ازاي يقدر يعصره أكتر وأكتر لملأ خزينة الدولة المثقوبة من الفساد كالغربال.
الغريب أن النظام المصلحجي اللي في مصر، مش مستوعب أن المصريين في الخارج بيمثلوا له كوكتيل مصالح رهيب، لازم يحافظ على استفادته منه. المصري الطفشان في الخارج ده موفر مكانه عشان يشتغل فيه المصري الطهقان في الداخل، موفر استهلاكه للكهرباء والمياه وشبكة الطرق وأكله وشربه، موفر مكان في المدارس لتعليم أولاده ومكان في المستشفيات لعلاجه، ده غير أنه بيمثل تاني أكبر مصدر للعملة الصعبة بعد قناة السويس، فزياراته لمصر بتدخل لها العملة الصعبة دي، ومعظمهم بيزور مصر زي السائح، بيتفسح ويصرف ويشتري في هدايا وغيره.
قوم إيه بقى.. بدل ما نحاول نزود الزيارات دي، ونجذبه، نروح نزود الضريبة على تذاكر سفره وننهكه بضرائب سفر وعمل وخلافه، يخليه يفكر ألف مرة قبل زيارته اللي هتخرم جيبه المطموع فيه.
ماحدش بقى يستغرب ليه المواطن المتغرب قلبه مش على البلد، ليه مش عايز يتبرع للصندوق الفلاني، ليه أول ما بتجيله فرصة ياخد جنسية تانية مابيترددش لحظة، ما هو أنت عشان تطالب المواطن بواجباته، لازم تديله الأول حقوقه .
تخيل لو مواطن مصري في بلد أجنبي وأصيب في حادث إرهابي، ولقى مندوب من السفارة المصرية عنده في المستشفى بيطمن عليه، والرئيس عامل مؤتمر مع رئيس الدولة الأجنبية دي بينفضه ويديله في جنابه أنه مش قادر يحمي الرعايا المصريين على أرض بلده.. تخيل المصري المصاب ده هايحس بإيه ساعتها؟ ده مش بعيد يموت من المفاجأة، بس لو ماماتش حيبقى مستعد يفدي البلد دي بعمره.