اليوم : الخميس 19 نوفمبر 2015

 

مساء السبت 14 نوفمبر، امتلأت قاعة المسرح الكبير بالأوبرا عن آخرها بالجمهور الذي حرص على مشاهدة أول الأفلام المصرية المشاركة في المسابقة الرسمية للدورة 37 من مهرجان القاهره السينمائي الدولي، وفي الحقيقة كان الجمهور يتوقع فيلما يمكن أن ينافس المستوى المتميز لبعض الأفلام التي تابعناها في المسابقة، ومنها  مثلا الفيلم الجزائري “الأم كوراج” لمرزاق علواش، لكن جاءت نتيجه مشاهدة فيلم “الليلة الكبيرة” مخيبه للآمال والطموحات، ومحاولة مقارنته بأي من الأفلام المنافسة هو درب من العبث!

على نفس النهج الذي اتبعه السيناريست أحمد عبد الله والمخرج سامح عبد العزيز في تجربة فيلمي “كباريه” و”الفرح”، وهو حشد عدد ضخم من الشخصيات في حيز مكاني واحد، تدور أحداث “الليلة الكبيرة”! لكن مع فرق واضح في مستوى الجودة، ليس في صالح الفيلم الأخير، الذي أفلتت خيوطه من بين أصابع السيناريست أحمد عبد الله!

مشهد الافتتاح في معظم الأفلام، يعطي انطباعا عن طبيعة جغرافيا المكان، لأن من أهم عناصر الدراما تحديد المكان والزمان، مع استعراض الشخصيات، وقد يلجأ السيناريست إلى بداية قوية وحدث يثير اهتمام المشاهد ويجعله يجلس على طرف مقعده، وهو ما نطلق عليه براعة الاستهلال، وقد يلجأ إلى تعريفنا بملامح الشخصيات، وطبيعة علاقه كل منها بالشخصيات الأخرى قبل أن تتشابك وتتصادم! لتصل إلى الذروة، لكن في “الليلة الكبيرة” يتلكأ السيناريو كثيرا ويستغرق في طرح شخصيات هنا وهناك، بعضها متشابه إلى حد ما في التكوين النفسي، فعادة إذا كانت الأحداث تدور في قرية مثلا، يمكن للسيناريست أن يزرع شخصية عبيط القرية، ولو أنها شخصية مكررة في كثير من الأفلام القديمة، لكن مش ممكن أن يزرع في الأحداث اتنين أو تلاتة شخصية عبيط قرية!

لكن في “الليلة الكبيرة” سوف تجد شخصية العبيط موجودة بوفرة، أولها يؤديها أحمد رزق، وهو يعاني من حالة خبل، وانفصال بقدر ما عن الواقع، ومشكلته أنه لا يستطيع أن ينسى أن والدته “صفية العمري” كانت عاهرة، تمنح جسدها لمن يدفع، وكان مسرح عملها المولد، وظلت صورة لقاءتها مع زبائنها حاضرة في مخيلة الصبي حتى بعد أن بلغ سن الرجولة، وهو لا يتوقف عن اهانتها والصراخ في وجهها “يا فاجرة” بينما هي تضحك بسخرية وتقول له: “بس يا نجس” ويتكرر هذا الموقف مرات عديدة بدون كلل ولا ملل وبدون تصاعد، وينتهي بأن يحاول قتلها، وهو يقول بعبط: “كل ما تزعليني حاقتلك”! طبعا التعبير عن حالة الخلل النفسي أو القصور الذهني يحتاج ممثلا لديه درجة من الوعي والحرفة، لكن أحمد رزق يؤدي الشخصية بنفس الطريقة التي اتبعها في مسلسل “الرجل الآخر”، الذي شاهدناه منذ حوالي عشرين سنة، وكان من بطولة نور الشريف وميرفت أمين.. إنه يستخدم اهتزازات ملامح وجهه، بطريقة بدائية، مع أن الحالة التي يعاني منها نفسية وليست عقلية!

أما المجذوب الثاني في “الليلة الكبيرة”، فهو صبري فواز وهو هائم في ملكوت الله، يشارك في حلقات الذكر، و”التفقير”، لكنه يحتفظ بدرجة من الوعي تسمح له بادراك ما يحدث حوله، وينفعل به أحيانا، لكنه لا يشارك في الفعل، وكأنه مجرد شاهد عيان على ما يجري في مولد سيدي شمس الدين.

وهناك عبيط ثالث يجري في خلفية الكادر رايح جاي، دون أن تتبين ملامحه! ولأن الشخصيات تتحرك في مجال ضيق جدا، ومساحات محدودة، بحيث لا يمكن أن تحدد مكان اللوكاندة الفقيرة التي يمتلكها سيد رجب، ويعمل فيها ابن شقيقه وائل نور، من بقية الأحداث أو من المقام، أو من المسرح الذي يؤدي فيه محمد شرف نمرة، التنشين على سمية الخشاب، لو فاكر فيلم “تمر حنه”، الذي كان انتاجه في الخمسينيات من القرن الماضي، ربما تذكر حركة الكاميرا في مشاهد استعراض المولد، بحيث تبدو المساحات شاسعه جدا، بينما تخنقك مشاهد المولد في فيلم “الليلة الكبيرة”، بالإضافه لعدم قدرة المخرج على تحديد المسافات، يعني محمد لطفي يقف على بعد نص متر من سمية الخشاب، ويلقي حولها الخناجر، وهي لعبة تحتاج  أن يبتعد اللاعب عن الهدف بمقدار تلاتة متر مثلا حتى تظهر مهارته!

ثم حتى لو تجاهلنا فقر الصورة، والكساح الذي اصاب حركة الكاميرا، وألتفتنا فقط إلى المنطق وتركيب الشخصيات، سوف تجد أن المسأله قد قلبت إلى ميلودراما فاقعة، يتلوها حالة من الضحك الهستيري، فيصعب أن تصدق أن سمية الخشاب يمكن أن يخدعها محمد لطفي ويسقيها “قرص”، يجعلها تقع في حضنه وتحمل منه “أفلام زمان كانت تستخدم حاجة أصفرة”، وهي أكثرمنطقية من القرص الأصفر!

المهم خد عندك بتاع خمس مشاهد متفرقة، يتكرر خلالها نفس الحوار بين سمية الخشاب ومحمد لطفي، كلها خاصة بموضوع أنه خدعها وهي ندمانة أنها استسلمت، وطبعا يسمعهما والدها وصاحب السيرك “أحمد بدير”، ويقرر أن يزوجهما بعد أن تقع في حضنه وتبكي، ومعلش يابا سامحني يابا، ويتحدث هو بتون صوت خفيض يشبه ما كان عليه حسين رياض، بعد ما اصابه الشلل في “رد قلبي”، ولاحظ أن الشخصيات لا علاقه لها ببعض مطلقا، رغم أنهم في نفس المكان، والأحداث في نفس الليلة، لكن كل واحد في حاله، حتى ما يخبطش في التاني من باب المصادفة.

الحكاية التانية، تخص وفاء عامر وابنتها زينة، وزوج ابنتها أحمد وفيق، الأم لا تكف عن الدعاء والبكاء والاستجداء لسيدي شمس الدين، كي ينعم على ابنتها بطفل ذكر، بعد انجابها لبنتين، وخوفا من أن يضيع ميراث الأب.. تسعى وفاء عامر للدجل، حيث تمنحها كودية الزار كوبا اذابت فيه مادة ما، تؤدي إلى وفاتها بدلا من علاجها، وطبعا لابد وأن يظل ذهنك مشغولا بنوع المادة اللي ممكن تكون وضعتها الكودية في كوب الماء،  وتؤدي للوفاة الفورية!

لكن مش مهم أن يكون للحكايه منطقا، وندخل على حكايه عمرو عبد الجليل، وهو منشد يقدم أغان صوفية، لكنه يتعاطى المخدرات، وليس لديه مانعا من اقتراف أي بلاوي، وتقع عيناه على ابنة عازف الكمان في فرقته، ويصر على أن يتزوجها، وتوافق الفتاة لأنها منبهرة به، وفي ليلة زفافهما تأتي إليه سلوى محمد علي، وهي أم الفتاة لتخبره أن  تلك الصغيرة هي ابنته –لمؤاخذة- في الحرام، فينهار باكيا!

وفوق البيعة حكاية عن مجموعة ناس بذقون، يريدون شراء الأرض التي يقع عليها ضريح مولانا شمس الدين، بينما تحاول سميحة أيوب أن تقف لهم بالمرصاد، لكن سيد رجب كالعادة لديه استعدادا لبيع أي شىْء!

طبعا يحاول السيناريو أن يؤكد أن جميع الشخصيات مذنبة ومدانة وواقعة في الخطيئة حتى قاع القاع، ولأننا في ليلة مفترجة “المولد”، فالأمور تنتهي بنزول المطر بغزارة، وكأنه جاء ليطهر شخصيات الفيلم من ذنوبهم، لكن إن كان للمطر هذا التأثير فعلا، لأصبح أهل الإسكندريه بلا خطيئة واحدة!

وقفزت إلى ذهني النهاية العبقرية لفيلم “ماجنوليا”، حيث تنهمر الضفادع من السماء وكأنها زخات مطر!

قدم فيلم “الليلة الكبيرة” أكثر من أغنيه بصوت علي الهلباوي ومحمود الليثي، غير الأغاني التي قدمها عمرو عبد الجليل بصوت آخر،  في محاوله لخلق أجواء صوفية، لكن هذا لم يكن له أي تأثير على المشاهد، اللهم غير زيادة جرعة الملل، فقد يكون مقبولا أن تستمع لعشرين أغنية صوفية خلال مسلسل “السبع وصايا” موزعة على ثلاثين حلقة، وتستمتع بها، لكن حشد هذا الكم من الأغاني مع تعطيل أحداث الفيلم، فهذا أمر لا يطاق!

الميلودراما ليست عيبا في حد ذاتها، لكن كيفية تقديمها هي التي تحدد جودة  العمل من  رداءته، وحكاية الافراط في المآسي مع عدم مصداقيتها، تحولها إلى ملهاة، لكن من النوع الثقيل.

تعليقات الموقع

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة

الأكثر تعليقا

النشرة البريدية

تابعنا على فايسبوك