في عام 1719 قدم ” دانيال ديفو” روايته الأشهر روبينسون كروز، التي ذاع صيتها في كافه البلاد لعدة أجيال، ولا تزال تحتل مكانة مميزة في الأدب الإنجليزي، واصبحت تلك الرواية ملهمة لكثير من الفنانين في مجالات مختلفة.. بطل الرواية أرستقراطي إنجليزي يتمرد على أسرته، ويخرج في رحلة بحرية أشبه بالمغامرة، وتتعرض سفينته إلى اعتداء من القراصنة، الذين يقتلون من عليها، لكنه ينجح في الهرب من المذبحة، ويسبح عدة أيام حتى يصل أخيرا إلى جزيرة منعزلة، يبدأ من خلالها اكتشاف ذاته، ويحاول أن يعيد سيرة الإنسان الأول في معرفة سبل النجاة، والمواد التي وهبتها له الطبيعة، كي يستطيع التأقلم والحفاظ على حياته، وإذا كانت العناصر الأولية التي تعين على استمرار الحياة هي النار والماء والتراب، والأكسجين، فقد حاول روبينسون كروزو أن يبحث على وسيلة لتخليق النار، الذي ساعده كما ساعد الإنسان الأول في التعامل مع الطبيعه، فقام بزراعه الذرة، وبعض الأعشاب والثمار.
تلك الأحداث من المفترض وقوعها في القرن السابع عشر، لكن بعد قرنين من الزمان أصبحت تلك الروايه ملهمه لصناع السينما، وتم تقديم عدة معالجات وتنويعات لقصة روبينسون كروزو، بأشكال مختلفه، أهمها طبعا وأقربها إلى الذهن فيلم CAST AWAY الذي أخرجه روبرت زيميكس، ولعب بطولته توم هانكس، حيث تسقط طائرة تابعة لشركة فيديكس لتوصيل الطرود، في مياه المحيط، ولا ينجو من ركابها إلا شخص واحد، يحاول أن يتعايش على الجزيرة، مستخدما كل الحيل التي تمكنه من الاستمرار في الحياة حتى تأتيه النجدة، التي لا تصل طبعا إلا في الجزء الأخير من الفيلم.
عزلة الإنسان عن مجتمعه، بإرادته أو خارج إرادته، وصراعه مع الطبيعة، أو محاولة ترويضها موضوع ثري وشهي ومثير للخيال، وسواء كانت العزلة على سطح جزيرة، تحيطها المياه من كل جانب، أو في صحراء قاحله، فإن احتمالات الإنقاذ واردة، لكن ماذا لو كان الإنسان قد انقطع بمفرده وانفصل ليس فقط عن مجتمعه، لكن عن الكرة الأرضية كلها، واصبح معلقا في الفضاء وعلى كوكب المريخ؟ فإن احتمالات نجاته قد تصل إلى ما تحت الصفر، لكن فيلم THE MARTIAN للمخرج ريدلي سكوت، يؤكد أن كل شىء جائز وممكن، وأن إرادة الإنسان وغريزة البقاء يمكن أن تدفعه لإيجاد حلول تمكنه من البقاء حيا على سطح المريخ!
الفيلم بطوله مات ديمون، جيسيكا داستان، تشيوتيل ايجوفور، شين بين، وقصته ماخوذة عن رواية قدمها إندي وير بنفس الاسم، في عام 2011ولم تصادف نجاحا، إلا بعد إعادة طباعتها بعد ذلك بعامين، وإضافه فصول جديدة، أدت إلى نجاح الرواية، وبالتالي إلى لفت نظر المخرج ريدلي سكوت الذي شارك في انتاج الفيلم الذي تقع أحداثه في 144 دقيقة، وتدور حول سفينة فضاء تحمل مجموعة من رواد الفضاء في رحلة استكشافية إلى المريخ، وبعد عاصفة عاتية تهب على الكوكب، يضطر طاقم السفينة للعودة للأرض تاركين خلفهم زميلهم “مارك واتني” معتقدين في وفاته بعد إصابته، لكن طبعا بطل الفيلم لا يمكن أن يموت، في الثلاث دقائق الأولى من الفيلم، وبعد أن يسترد وعيه، ويحاول معالجة جروحه، يكتشف “مارك واتني” أو مات ديمون أنه اصبح وحيدا منعزلا على هذا الكوكب، وبينه وبين الأرض آلاف الأميال، وأن الرحلة القادمة للمريخ لن تكون قبل أربع سنوات، عليه أن يدبر حاله فيها، ويحافظ على حياته رغم استحاله ذلك في كوكب لا توجد عليه أي آثار للحياة، ومع ذلك فاعتقد أن السيناريو جعل الأمر شديد السهولة على البطل، فلديه من الطعام الذي تركه رفاقه الستة، ما يكفيه للحياة فترة من الوقت، استطاع خلالها أن يستخدم مخلفاته في تسميد قطعه من الأرض، وزراعتها بالبطاطس، ثم أن معظم مشاكله محلولة تقريبا، لديه مكان للمبيت، وبدله فضاء مجهزه تحميه من غدر الطبيعة، وأكسجين، وجهاز لتشغيل الموسيقى تركته زميلته، وكافة شىء..لا يوجد ما يعكر صفوه إلا الوحدة، والفراغ، حتى وجد ما يشغله، فأخذ يصور يومياته صوتا وصورة، ويحاول الاتصال عن طريق لاب توب بالأرض، حتى تم التقاط رسائله، لتقوم الدنيا ولا تقعد، ويعرف من في ناسا أن مارك ويتني لا يزال على قيد الحياة، وتبدأ محاولات لإعادته، للأرض!
الصراع الدرامي في الفيلم يكاد يكون منعدما، فكل المشكلات والمصاعب محلولة، ولا توجد نقطة ذروة، خاصة وأنك تتوقع ما يمكن أن يحدث، حتى ماكينة الحلاقة الكهربائية يجدها مارك، فيلحق ذقنه، قبل أن يواجه الكاميرا التي تنقل صورته للعلماء في ناسا!
طبعا لو قارنت حالة الشخصية المحورية، في فيلم ريدلي سكوت، بشخصية رائدة الفضاء”ساندرا بولاك” المسجونة داخل مكوك فضائي شارد في الفراغ، في فيلم جرافيتي، فسوف تدرك معنى الصراع الدرامي، فكل لحظة تمر عليها تهددها بالفناء، ومن خلال محاولتها المضنية للاستغاثة تتعرف على تاريخها الإنسانى، فتتفاعل معها وتصبح أمنيتك أن تضع قدميها على كوكب الأرض.. إن وجود الإنسان في عزلة سواء على الأرض أو في الفضاء موضوع شيق يمكن أن ينتج دراما مثيرة، إلا أن فيلم المريخ، قد نزع التشويق والمصاعب من حكاية مارك ويتني، فأصاب المشاهد بحالة من الاسترخاء وعدم الاكتراث، وهي أسباب كافيه لعدم التجاوب معه.