اليوم : السبت 01 اغسطس 2015

بعد أن وصلت إلى المرحلة التي بدأ يسأل فيها الكل بمنتهى التطفل والفضول غير المقبولين عن السبب وراء رفضي لكل العرسان الذين يتقدمون لي، على الرغم من اختلافهم في المواصفات والمؤهلات والإمكانيات، ومع عدم اقتناع أي شخص ممن حولي بآرائي أو أفكاري، بدأوا في اللعب على الأوتار الحساسة لدى أغلبية الفتيات، وهي “الأمومة”، وكان يقال لي: نحن نتفق معكِ بشدة في أسبابك الشخصية لرفض كل العرسان (ظاهريا فقط)، لكن هل أنتِ لا تشتاقين إلى أن تكونين أُما؟!

وهنا تأتي إجابتي صريحة وصادمة: لا… لا أشتاق لأن أكون أما ولا ينتابني أي شعور يثير حنيني لأكون أُما.

نعم، هي إجابة صادمة لكل من يرى أن الهدف الأول والأخير والوحيد من الزواج هو الإنجاب، هي إجابة منافية ومختلفة تماما عما اعتادوا أن يسمعوه من الشابات في سني.

في الحقيقة أنا غير رافضة لفكرة الأمومة من الأساس، لكن ينتابني شعور بالخوف والقلق كلما أضع ذاتي في تلك المسئولية، ولديَّ الكثير من المخاوف والأسباب الكفيلة بأن تجعلني غير مستعدة لمثل تلك المخاطرة الكبيرة.

ومنها:

لهذا الطفل الذي سيولد “أب وأم”، هما بالتأكيد أساس وجوده في هذه الحياة.. وسأبدأ بنفسي.

أنا كأم:

هل أنا قادرة على تحمل مسئولية الزواج وحياة الشركة ومسئولية كاملة في فتح المنزل وتحمل الصعوبات.. كيف كل هذا وأنا إلى الآن في نظر أقرب الأقربين غير قادرة على إتخاذ القرارات بشكل فردي ومصدر إزعاج لهم من جهة أفكاري وأسلوبي في الحوار والتفاهم؟!

هل أنا كأم قادرة على أن أكون مربية جيدة وقدوة حسنة ومعلمة ومرشدة لأبنائي!

هل سأكون عصبية المزاج وشديدة النقد وكثيرة الشكوى ومدققة لدرجة الاختناق، أم سأكون صديقة لهم نلعب ونلهو نتحدث دون عصبية أو غضب؟!

هل سأستطيع أن أزرع بداخلهم محبة الله الحقيقية وأرشدهم إليه على أنه رفيق الدرب الحنون الرقيق وأجعلهم يصادقونه ويصلون له ويتكلمون معه، وكيف هذا وأنا إلى الآن مازالت حياتي الروحية في عدم توازن، وغالبا ما أشك في محبة الله لي وأعاتبه كالأطفال عندما أقع في الضيقات والمشاكل؟!

هل سأجعل أبنائي يحصلون على حرياتهم الشخصية التي طالما ناديت بها في بيت أبي، وكانت ولازالت مصدرا للشجار المستمر مع أمي، هل سأتركهم يفعلون ما يشاؤون ويتصرفون بصبيانية وطفولية وعشوائية دون تدخل مني من منطلق الحرية الشخصية، هل سأترك لأبني -مثلاً- حرية التدخين على أمل ألا يعجبه طعمها أو رائحتها، ماذا لو أعجبته؟ هل سأترك لابنتي حرية مصادقة الشباب في سن المراهقة على أمل أن تكتشف أن هذا كله وهم، والحب الحقيقي لن يأتيها بمثل تلك المشاعر الهوائية، ماذا لو لم تكتشف؟

هل سأكون صديقة حقيقية لأبنائي يتكلمون معي في كل أمور حياتهم العامة والخاصة، وأصغي دون أن أشعر بالضيق أو العصبية أو خيبة الأمل، وماذا لو سألوني في إحدى الأمور المثار حولها الجدل والاختلاف، هل سأكتفي بقول رأيي الشخصي دون أن أؤثر عليهم ودون أن ألزمهم به بدافع الخوف عليهم من الوقوع في الخطأ من جهة، ومن رأي المجتمع من جهة أخرى؟!

هل سأعلمهم بنفس طريقة التدريس المتبعة بالمدارس، التي طالما سببت لي العُقد والمشاكل النفسية، الطرق الفاشلة التي تعتمد على الحفظ والتلقين والاستماع (التي في النهاية وللأسف تأتي بنتيجة ممتازة) أم سأستخدم الطريقة التي تعتمد على الفهم والاستيعاب والمشاركة (والتي لا أعرف للأمانة نهايتها)؟! وهل سأذكر لهم أحداث التاريخ كما هي مدونة بتزييف في كتبهم المدرسية أو سأروي لهم الحقائق التي ستصدمهم في بلدهم وعظمائها؟!

هل بالفعل سأربي أولادي كما تربيت أنا، وسأستخدم معهم نفس الأساليب التي كنت أرفضها وأنا مازلت في بيت أبي، هل سأكون ديموقراطية في إتخاذ القرارات معهم، هل سأشاركهم في مشاكل ومسئوليات البيت؟!

كل تلك الأسئلة تدور في ذهني وتجعلني مرعوبة من فكرة أن أكون أُما، ولنأتي هنا إلى الجزء الآخر وهو دور الزوج والأب، وهي أيضا من الموضوعات التي تجعلني أفضّل أن أعيش وحيدة على أن أعيش في كنف زوج لا يحترم الزواج ولا يقدره أو يقدسه.

هو كزوج:

هل سأجد من يحبني ويحتملني ويقبلني بكل ما فيّ من نواقص وعيوب ولخبطة؟! سأجد من يعوضني عن حنان الأب وشهامة الأخ ورجولة الصديق وعطف الابن وعطاء الأم؟!

سيأتي من أستطيع أن أشاركه أحزانه وأفراحه، أفكاره ومشروعاته، طموحه وأهدافه وأكون بالفعل المعين الذي يقف بجانب شريكه وأكون قادرة على إعطائه الطاقة اللازمة للاستمرار.. سيأتي من يكون لي مرشدا في كل نواحي الحياة ويجذبني نحو السماء ويقربني من ربي ويرفعني في حال أن زللت أو وقعت!

سيأتي من يكون لي صديقا حقيقيا لا أخاف أن أظهر أمامه مكشوفة العيوب، وأنا كلي يقين أنه لن يخيب ظنه بي أبدا، أستطيع أن أتكلم معه في كل شيء دون خجل أو ملل! سيأتي الزوج الذي يساعدني وتكون يده بيدي دون أن يُسمعني مُر الكلام عن حقوقه وتعبه ومسئولياته التي لا أقدرها، الذي لا يخجل من غسيل الأطباق أو كي الملابس أو تنظيف المنزل، والذي سيتعامل معي كشريكة حياة وليس كعبدة أو خادمة.

سيأتي ذلك الإنسان الذي يُقدّر عملي وطموحي ويساعدني على الوصول إلى أعلى المراكز دون أن يشعر بالغيرة، وألا يحاول التقليل من شأني وطموحي، سيأتي من يعاملني كالأميرات ويشعرني أنني ملكة قلبه وحياته ويفتخر بي أمام نفسه وأمام الآخرين، سيأتي من يترك لي حرية الخروج مع الأصدقاء حتى ولو على فترات متباعدة، وسيتقبل فكرة أن بعض منهم شباب، سيأتي من يدعم قراراتي ويتناقش معي للوصول إلى الحلول الوسطية التي ترضي جميع الأطراف دون أن يأمرني أو يجبرني ويتسلط عليّ.

من وجهة نظري الخاصة يجب أن تتوافر تلك العوامل أولا حتى أستطيع أن أنجب منه أطفالا، لأن كلها أشياء ستترتب عليها كونه أب.

هو كأب:

هل سيشاركني الحياة الجديدة بعد أن أنجب، بكل ما يحدث فيها من تغيرات وقلق وبكاء وألم، أم سيتركني وينام بغرفة أخرى حتى لا يستيقظ من بكاء أولاده؟! سيكون جزء من تربية أولاده أم سيترك لي كل المسئولية ويتحول هو إلى حصّالة للحصول على الأموال فقط.. هل سيساعدني في تربية الأبناء بطريقة صحيحة وصحّية ويساعد بحنانه في حل مشاكلهم دون قمع أو ترهيب، أم سينجب الأبناء لكي يُخرج للمجتمع (شابا) تافها سطحيا غير مسئول ولا يفكر سوى بالمظاهر ويتحكم في الآخرين وفي طريقة ملبسهم، ويكون نسخة غير جديرة بالاحترام، مثل العديد من شباب ورجال هذا الوقت، وأيضا يُخرج للمجتمع (فتاة) لا تنظر لنفسها نظرة احترام وتوقير ولا تتعامل مع نفسها إلا على أساس أنها سلعة للعرض والبيع، فتاة أهم ما يشغلها هو الزواج والمظهر والخنوع والرضوخ للعاهات والتقاليد المجتمعية المتعفنة، وتخرج نسخة جديدة من فتيات القطيع ليس لها كيان أو شخصية أو طموح.

هل سيحب أولاده بالفعل ويتمنى لهم الخير والسعادة ويصبح هو البطل الأول في حياة ابنه والحب الأول في حياة ابنته، يتناقش معهم لأجل توجيههم وليس قمعهم، ويربيهم بحيث يحترم الابن حرية أخته وبحيث تحب الابنة أخيها كصديقها الأول والوفي والذي يحترمها ويكون رجلا لها لا عليها؟!

يوجد الكثير من الأفكار التي حُفرت في قلبي وعقلي وأتمنى لو أنها تتحقق في شخص واحد أُكمل معه حياتي وأحبه وأفتخر به، ولا أرى غيره أمامي طوال حياتي.

“البنون ميراث من الرب، أجرة ثمرة البطن”

أولادنا ليسوا شيئا رخيصا أو سهل الحصول عليه، لو لم نستطع أن نوفر لهم أبسط سُبل الحياة الكريمة، لو لم نستطع أن نتفهم أنفسنا ونفهم بعضنا البعض ونحترم بعضنا، فمن الأفضل ألا نُنجب، لو لم تتوافر بيئة ناضجة مُحبة هادئة سليمة محيطة بهؤلاء الأبناء، فخير لهم لو لم يولدوا.. عندما يعطينا الله الهدايا يجب أن نحافظ عليها لا أن نرميها ونمزقها.

تعليقات الموقع

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة

الأكثر تعليقا

النشرة البريدية

تابعنا على فايسبوك

اعلان