اليوم : الأربعاء 09 سبتمبر 2015

أنت طيبة أوي

عفواً …؟!

يعني قلبك زي اللبن الحليب

شكراً جزيلاً

ربنا يديك على قد نيتك يا طيبة

ربنا يكفيك شر الطيب لما يفيض بيه

كان لابد أن أغلق هذا الحديث الناقص بهذه الطريقة الحاسمة، كما ينبغي لطيبة مثلي سئمت من مساحات الأبيض والأسود المتقاطعة في حياتها، وقررت ألا تعتذر عن أي كلام سيخطر في بالها، فأن تكون حاداً كالسكين خير لك من أن تقف على بلاطة الطيب الضحية أو الطيب العبيط، الأهبل وأنت تفتح فمك عن آخره لتبرز أسنانك المرصوصة مُعلنة ابتسامة باردة تؤكد براءتك في زمن انقلبت فيه الموازين وتحولت الدنيا إلى غابة لا مكان فيها لأمثالك أيها الطيب المنقرض!

ورغم أنني أصبحت من التائبين عن الطِيبة، تعثرت أمام سؤال الصبية الصغيرة، ابنة أحد الأصدقاء، التي اعترضتني في الشارع بينما كنت أسير وأفكر كيف أتحاشى الوقوع في حُفرة أو أن يخونني حدسي فأتوه في الاتجاهات، حتى ظهرت لي هذه الصبية وهي تصر أن تستخلص مني إجابة عن سؤالها الأشبه بلطمة مفاجئة على الوجه:

في رأيك أيهما أكثر طيبة، مستر هايد أم د. جيكل؟ في البداية تجاهلت السؤال الفخ، ولم أرغب في أن أدخل في متاهة المقارنة النمطية بين المقدس والمدنس، البريء والشيطان، فعبرت الطريق بشكل عشوائي وسط السيارات المُسرعة حتى تضيع حروف سؤالها وسط الصخب، لكنها قذفتني بجملتها: أظنك تحبين الأصل أكثر من القناع، يعني تحبين الشرير أكثر من الطيب الجنتلمان، وأظنك أقرب إلى الأصل!

عند هذا الحد، لم يعد الأمر يخص الرواية الخيالية “دكتور جيكل ومستر هايد” للأديب الأسكتلندي روبرت لويس ستيفنسون والمنشورة عام 1886. وتتناول الرواية الصراع بين الخير والشر داخل النفس البشرية، والتي قرأها الكثيرون أو شاهدوها فيلماً سينمائياً، والتي تنتهي بقول مستر هايد الشهير في نهاية الرواية: “عرفتُ مع أول شهيق من هذه الحياة الجديدة أنني صرت أكثر شراً.. صرت أكثر شراً عشر مرات.. صرت عبداً لشرّي الخاص.. وشعرت كأنما هذه الفكرة تُسكرني”.. إذن، الأمر لا يخص جيكل أو هايد، لكنه يتعلق بهذه الصغيرة التي طلعت لي من تحت الأرض لتقف في وجهي كسيف الدفاع وتشرح لي أن المسألة كلها خرافة وأنه لا يوجد هؤلاء الطيبين على إطلاقهم؛ فكل شيء في الحياة نسبي، بل إن الحياة نفسها نسبية وإنه لا يحق لي أن أصدق أنني طيبة جداً لهذا الحد الذي يصفني به الآخرون، لأنني لو صدقت فهذا يعني أنني غبية، والغباء حليف من يصدقون هاجس الطيبة اللاحدودية، فيصنعون التراجيديا المكررة.

للصبية الصغيرة منطقها الذي يتجاوز عمرها بكثير، لها طريقتها في التسلل كأنها مُدَرّبة؛ تعرف كيف تدق القلوب كدقة عسكري محترف على طبلة الجيش الكبيرة، تجيد الحصار وأنا صاغرة، أتمترس في مكاني أمامها واتكعبل في كلماتي التي “تندلق” مني على الأرض، بينما أحاول أن أؤكد لها أن أقدارنا تُسيرنا بطرف إصبع، فإذا بي أجدني ألف وأدور حولها لأصاحب إيقاعها في الحكي والبرهان وهي تضحك بخبث وتقول: وهم!

كيف تجرؤ الصغيرة أن تختزلني في هذه المساحة، مساحة الوهم كأنه حدث تشوه لحواسي، فانساقت مخدوعة وراء سراب، فأصبحت في نظرها مجرد (مايا) كما في الفلسفة الهندوسية؛ أرى عالماً غير حقيقياً كأنني أنظر إلى صورتي في المرآة وأتخيل أنها مطابقة للأصل، تواصل الصغيرة ضحكتها ثم تربت على كتفي وهي تبالغ في سخريتها: يا طنط، الطيبون لا يدخلون الجنة، وزمان قالوا في الأمثال: الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة.. تقولها هكذا ببساطة ثم تمشي وتتركني كمن استسلمت لهزة أرضية.

…………….

تتنازل ولا تاخد رصاصة .. الرصاصة أسهل!

 

تعليقات الموقع

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة

الأكثر تعليقا

النشرة البريدية

تابعنا على فايسبوك

اعلان