الأسوأ من تفجير أبراج الكهرباء المغذية لمدينة الإنتاج الإعلامي، وغياب صورة معظم القنوات الفضائية المفاجىء عن النايل سات، هو غياب خطة الطوارىء للتعامل مع الموقف. مدينة الإنتاج الإعلامي مرفق حيوي مستهدف.. معروفة دي مش شىء مفاجىء مثلا، ومصادر تغذية الكهرباء به مستهدفة مثلها مثل كل مرافق كهرباء البلد، اللي الإرهابيين بيفجروها كل يوم، واحتمال تفجير أبراج كهرباء المدينة وارد جدا.
المصيبة ليست تفجير الأبراج رغم كل مظاهر التأمين، بل عدم وجود خطة (ب) أو (ج) أو أي حرف تاني لإعادة التيار الكهربائي، وعدم وجود خطة لدى الدولة لطمأنة الناس في البيوت.. انقطع التواصل بين المصريين ودولتهم وإعلامهم فجأة، وأي مبرر عدا كارثة طبيعية غير مقبول.
من الأمن القومي أن تكون مدينة الإنتاج الإعلامي محصنة ضد أي عمل إرهابى، وإذا حدث لأي سبب لابد أن يطمأن المواطن أن مؤسسات الدولة شغالة.. عندها عطل، لكنها مستمرة في العمل.. أصابها إرهاب، لكنها موجودة لم تختف، أما ان تظلم قنوات الدولة والقنوات الخاصة ومعظم قنوات النايل سات دون تعليق أو تفسير رسمى، وأن تتضارب الأخبار على المواقع الإخبارية، فهذا معناه ضرب لمفهوم الأمن القومي، وإصابة للدولة بحالة عمى مؤقت غير مسبوق.
في ظل حالة غياب معلومات تركت الدولة الناس في حالة بلبلة نهباً للأخبار والشائعات، توقف بث النايل سات القمر الأهم والأكبر في الشرق الأوسط ليس أمراً عادياً. سواء كان خطأ فنيا أو عملا إرهابيا.. كنا في إنتظار بيان من مسئول رسمي يزود الناس بكل المعلومات المتوفرة.
خلال الوقت الطويل الذي غاب فيه الإعلام عن الوعي، كانت كل الاحتمالات مفتوحة: هل حدث إنقلاب؟ هل حدث غزو للبلاد والعياذ بالله؟ هل هو عمل إرهابي كبير؟ هل مات أحد من الإعلاميين أو العاملين بالمدينة؟ هل تضررت المدينة؟ في هذا المساء الإعلام الوحيد المتاح كان مواقع التواصل الاجتماعي، الذي نشر أول صورة لإظلام المدينة، وهو نفسه الذي نشر إشاعات وفاة الإعلامي أحمد شوبير، وأحمد يونس مذيع قناة نجوم اف ام.
من أسوأ ردود الفعل بالدولة بعد أي حادث إرهابي هي حالة الشلل الإعلامي.. يا جماعة حد يكلمنا، أنتوا بتزعلوا لما ناخد المعلومات من مواقع التواصل الاحتماعى.. طب أنتوا فين؟ فين رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب؟ فين المتحدث باسم أي حاجة في البلد؟ دور المتحدث الرسمي باسم الوزارة أو المؤسسة مش الكلام بعد ما يكون الجماهير تشبعت بالإشاعات والأخبار المغلوطة، بل إحباط أي إشاعات بإذاعة المتاح من حقائق بشكل فورى.
لو خرج مسئول بمعلومة بسيطة فورية مثل بُعد مكان التفجيرات عن مبنى المدينة والاستديوهات، لم تكن إشاعات وفيات مذيعين انتشرت وأقلقت الجمهور.. طمأنة المواطن وشرح إجراءات التعامل مع الموقف ليس سراً أو رفاهية.
في حالات عمليات إرهابية كالتي حدثت في فرنسا واستراليا في عمليتي احتجاز رهائن، وفي تفجيرات ماراثون بوسطن بالولايات المتحدة قبل عامين، خرج على الهواء رئيس الشرطة وعمدة المدينة، كل منهما يحكي للمواطنين آخر المعلومات المتوفرة حول الحادث والجهود الأمنية والمدنية.. كل تحدث في تخصصه وأولوياته.. كلنا شاهدنا هذا على شاشات القنوات الإخبارية ولم نتعلم.. غياب الاعلام لم يكن فقط نتيجة انقطاع البث، بل انقطاع التواصل السريع والمباشر والشفاف مع الجمهور في الأحداث المهمة.