يبدو أن ظاهرة الاستيقاظ على خبر وفاة أحد الأصدقاء النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان، لم تعد قاصرة على الحالة المصرية فقط, ففي يوم 18 مارس 2015، استيقظت على خبر اغتيال الصديق الصحفي اليمني عبد الكريم الخيواني!
عندما يكون سبب الوفاة هو القتل، يصبح الأمر أكثر صعوبة، لأنك تعلم في داخلك أنه كان أمامه سنوات عديدة من النضال في سبيل ما يؤمن به، لكن شخصا ما قرر أن استمراره في الحياة، لم يعد مقبولا، لأنه ربما يتحدث أكثر من اللازم في وقت يريدون فيه أن يصمت الجميع.
تعرفت على عبد الكريم منذ أكثر من 8 سنوات أثناء عملي مع منظمة “آيفكس” لحرية التعبير, وكانت قضية عبد الكريم آنذاك من أهم القضايا التي كنا نتابعها.
التقيت بعبد الكريم عدة مرات في بيروت وصنعاء ودبلن.
عبد الكريم الخيواني من أطيب الشخصيات التي يمكنك أن تقابلها في حياتك.. بسيط وعفوي لدرجة رهيبة، وتشعر معه أنك لست غريبا عنه.. يمكنك أن تجلس معه لساعات وساعات ولا تشعر بالملل أو التحرج أو أي نوع من الضغط الاجتماعي لاستمرار حديث لا ترغب فيه.
في 2009 التقينا في صنعاء وقضينا عدة أيام سويا بين سوق السمك وبين جلسات تخزين القات “الدماغ الرسمية والوحيدة في اليمن”, وفي كل مرة أؤكد له إنها “ما بتعملش معايا دماغ”، كان يرد ويقول: “لازم تخزن, هذا واجب وطني”.
لمن لا يعرف عبد الكريم الخيواني, هو كاتب وصحفي يمني بارز.. عمل رئيسا للدائرة السياسية في حزب الحق ورئيسا لتحرير صحيفة الأمة الصادرة عن الحزب ورئيس تحرير صحيفة “الشورى” الأسبوعية وموقع “الشورى نت” الإلكتروني الإخباري.. اشتهر بكتاباته الصحافية الجريئة في نقد نظام علي عبد الله صالح وسياساته.
في مايو 2014 منحته منظمة بعثة السلام والعلاقات الدبلوماسية للمجلس الدولي لحقوق الإنسان والتحكيم والدراسات السياسية والاستراتيجية تعيينا فخرياً – بصفته سفير للنوايا الحسنة والعلاقات الدبلوماسية – تقديرا لجهوده وإسهاماته في المجالات الإنسانية، وهو أول يمني يتم منحه هذا المنصب.
في يونيو 2008، حكمت محكمة أمن الدولة في صنعاء على عبد الكريم الخيواني بـست سنوات سجن بتهم تتعلق بالتآمر مع المتمردين المناهضين للحكومة، وإهانة الرئيس و”إضعاف معنويات الجيش”.
وفي النهاية تم تعليق الحكم بعد منحه العفو في مارس 2009.
وفي عام 2008, وأثناء تواجده في السجن, منحته منظمة العفو الدولية جائزة خاصة بصحافة حقوق الإنسان المعرضين للخطر.
ولكونه قريبا من جماعة الحوثيين والذين عُرفوا باسم “أنصار الله”، وهم جماعة تنتمي للمذهب الزيدي الشيعي، وكانوا يعانوا الكثير من التمييز ضدهم والتهميش تحت حكم علي عبد الله صالح حتى وصل الأمر لصراع مسلح, كان عبد الكريم يمثل الحوثيين في مؤتمر الحوار الوطني الذي تم عقده بعد ثورة اليمن 2011.
عانى عبد الكريم الكثير من النقد والهجوم حتى من المقربين إليه بسبب دعمه للحوثيين, بالرغم من أنه كان أول من انتقد انتهاكات الحوثيين، وخاصة بعد أن قاموا بالتحرك على صنعاء في 2014، وأخذ مقاليد الحكم و جبار الرئيس هادي على التنازل عن الحكم.
كنت اشاهد أصدقاء مشتركين وهم يوجهون لعبد الكريم اتهامات ونقد لأنه يؤيد أنصار الله, فما كان مني إلا أن اذهب إلى صفحته على الفيسبوك، لأجده يكتب عن انتهاكات الحوثيين ويوجه لهم النقد واللوم, فآخذ رابط هذا الكلام واذهب لصفحة الصديق المشترك لأخبره أن عبد الكريم لا يتغير، وأنه لايزال مؤمنا بالحريات وحقوق الإنسان. وصراحة القول, عبد الكريم لم يخذلني أبدا.
في 2013 شاركت مع عبد الكريم في حضور ملتقى دبلن للمدافعين عن حقوق الإنسان، والذي تنظمه منظمة فرونت لاين ديفيندرز.. تحدثنا كثيرا حول الوضع في اليمن وعن حرية التعبير ووضع النشطاء والصحفيين هناك.
عبد الكريم كان لديه الكثير من الأفكار التي كان يحلم بتحقيقها، ومنها مثلا شبكة إعلامية من الشباب الإعلامي تغطي كل محافظات اليمن, ولكن القدر لم يمهله.
والآن – بعد اغتياله – يمكنني القول إن عبد الكريم من هؤلاء الذين يدفعون حياتهم ثمنا لمواقفهم، واثبت للجميع أنه كان ثابتا على إيمانه بالحقوق والحريات حتى آخر يوم في عمره.
عبد الكريم كان يتلقى تهديدات – طوال الوقت – حتى من قبل 2011، لكن هذا لم يثنه ولو لحظة عن التحدث والكتابة عما يؤمن به، حتى لو كان الثمن هو عمره.
سوف أفتقدك يا صديقي، وسوف أظل حزينا مثلما اليمن حزينة على فراقك.