اليوم : الأربعاء 06 مايو 2015

اليوم أدركت لماذا شاركت في ثورة يناير.. بعد غياب خمس شهور عن مصر, وهي أطول مدة قضيتها خارج مصر في حياتي, عدت من لندن بعد معاناة شديدة من أحاسيس الغربة والحنين للوطن, اكتشفت أنني أحب مصر جدا، ولا أريد أن أعيش في أي بلد أخرى.. ما أريده هو أن تصبح مصر مثل الدول الأوربية المحترمة، وليس الحل هو أن نتركها ونهاجر.. قمنا بثورة يناير لأننا رافضون أن نتركها, لكن لكي تصبح أفضل حتى نستطيع أن نعيش فيها.

في الغربة يفقد كل شيء طعمه ويصير اليوم ثقيلا والساعات لا نهائية.. اشتاق لكل شيء في مصر.. جلسات الأصدقاء والعائلة.. قعدات القهاوي والشيشة.. الأكل, وكل شيء.

لكن في ذات الوقت كنت مدركا تماما ما ينقصنا في مصر، وما تتمتع به الدول الغربية من حرية وحقوق ونظام واحترام للقيمة البشرية.. أعتقد أن من حقنا أن نحلم.. أن نعيش في بلدنا وفي نفس الوقت نتمتع بما يتمتع به المواطن الغربي.

من ينكر أن الدول الغربية أفضل منا؟ وللأسف فهناك الكثير ممن يقنعون أنفسهم بأن حتى الدول الغربية فيها انتهاكات ومشاكل، وهما مش أحسن مننا, فهؤلاء الناس يخدعون أنفسهم بكل فجاجة، ومعظم من سوف تسمع منهم هذا الكلام ستجدهم يا إما قدموا على أوراق الهجرة أو يحلمون بالهجرة، لكن لا سبيل لهم إليها.

من لا يؤمنون بثورة يناير هم ببساطة من يؤمنون أن مصر لا أمل فيها وأن أفضل السيناروهات هو أن يسيطر عليها نظام يحافظ عليها كما هي.. يحافظ على استمرار الوضع الحالي بكل من ما فيه من مساوئ وسلبيات وفشل, خوفا من أن تصبح أسوأ.. معظم من وصلوا إلى هذا الاستنتاج قرروا أن يتركوها ويسعون للهجرة، لكن في نفس الوقت يؤيدون النظام القمعي لأنه مؤهل للحفاظ على الوضع الراهن.. يريدون أن يهاجروا لينعموا بالحقوق والحرية والمستوى الاقتصادي والخدمات الطبية والاجتماعية للمواطن الأوروبي، لكن ينكرونها على من لا يريد ترك مصر.. ينكرونها على من يريد تطبيق مميزات أوروبا في مصر.. ببساطة لأنهم يؤمنون أن الشعب المصري لا يستحق هذا، وأنه “شعب ما يجيش غير بضرب الجزم”، ولم يتوقف إيمانهم عند هذا الحد من السلبية, لكن قرروا أن يمنعوا حتى من يحلم بمصر أفضل ومن قرروا أن يقوموا بثورة لتصليح الوضع، فما كان منهم إلا أن حاربوا الثورة, فهم لا رحموا ولا سابوا رحمة ربنا تنزل، بل ما يزيد الطينة بلّة هو أنهم سوف يشككون في وطنيتك ويزايدون عليك ويدعون أنهم هم من يدافعون عن مصلحة الوطن.

أنا ممن يطلقون عليهم من ذوي النزعة السقراطية, وهي نسبة لسقراط حينما رفض ترك بلده حتى وهو يعلم أنه لا مكان له فيها.. قررت منذ طفولتي أنني لن أهاجر مهما حدث، ستجدني من الشباب القلائل جدا في مصر الذين لم يقدموا على الهجرة واللوتري ولا مرة واحدة في حياتهم، ورفضت أكثر من مرة فرص للهجرة والسفر، خصوصا قبل فقرة الخدمة العسكرية.. قررت أن ارفض الواسطة لتجنب دخول الجيش.. خضت في إجراءات التجنيد بكامل إرادتي, وكان شعاري في هذه المرحلة هو “سوف أؤدي الواجب الوطني نحو بلدي حتى يكون لي الحق في المطالبة بحقي منها بعد ذلك”.. ربما كانت هذا سذاجة مني ومثالية مبالغ فيها، لكن هذا كان شعوري ولازال.

بعد أن خدمت أكثر من سنة في حرس الحدود، خرجت وأنا مصمم أكثر على مبدأي.. أنا ليا حق عند مصر وعايزه، ومؤخرا أنهيت فترة الخدمة في القوات الاحتياطية (تسع سنوات من انتهاء الخدمة) بالرغم من أنني تزوجت من أجنبية منذ ثلاث سنوات، وكان من حقي أن اخرج من قوة الاحتياط لهذا السبب، لكني أيضا رفضت وقررت أن أنهي فترة الاحتياط كاملة, عشان يا مصر ما يبقالكيش حجة.

آمنت بثورة يناير وشاركت فيها، لأنها كانت السبيل الوحيد الذي به أستطيع أن أطالب مصر بما عليها, فأنا أديت واجبي كاملا وحان دورك يا مصر عشان تردي.. أنا رافض لمبدأ الهجرة تماما وقاعد لك يا مصر.. هناك من شارك في ثورة يناير لأسباب مختلفة. أما في حالتي فأنا مدرك تماما لماذا شاركت في الثورة, أنا ليا حق عرب عند مصر ومش حاسيبه.. لن أتركك تجبرين شبابك على الهجرة، ولن أتركك تقتلين الأمل الوحيد في أن تصبحي بلدا أفضل.. ربما ييأس بعض من شاركوا في الثورة ويقررون الرحيل أو الاستسلام لليأس. أما أنا فلن استسلم.. إنها النزعة السقراطية كما تعلمين.. يا إما أصلح حالك بيدي وأخذ حقي منك, يا إما تقتلينني كما قتلوا سقراط.. أنت لم تتركي لنا سوى خيارين الهجرة أو الثورة, وأنا اخترت الثورة وليكن ما يكون.

تعليقات الموقع

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة

الأكثر تعليقا

النشرة البريدية

تابعنا على فايسبوك

اعلان

اعلان