تطل علينا المذيعة، الإعلامية، ووكيل النيابة الأستاذة ريهام سعيد في برنامجها “صبايا الخير” بإيفيه جديد من وحي تحقيقاتها – غير الصحفية – الأخيرة، فبعد إيفيه “أنت مش ندمان إنك قتلتها”، تعود إلينا بإيفيه “ضحكتك دي دليل إنه مش عادي”، وبعد أن قامت بسب أحد المتهمين من قبل قائلة له “أنت حيوان”، تعود لتؤدب متهمين آخرين في سؤالها الوجيه “إيه الطجرمة دي؟”، صحيح فعلا هي إيه الطجرمة دي؟! ما علينا.
تبدأ الحكاية كما تبدأ دائما “القبض على بلا بلا بلا بتهمة كذا كذا”، لكننا نختلف عن الآخرين، ففي بعض القضايا، لا نتبع طرق العدالة التقليدية من التحقيقات واستماع للأقوال وما يتبعها من إجراءات، إنما نبدأ بالشو الإعلامي.. تستضيف محكمة تليفزيون النهار دائرة برنامج “صبايا الخير” التحقيق هذا المساء، حيث تشرف المذيعة اللامعة على سير التحقيقات بنفسها، بل وتبدأ تحقيقها الخاص مع المتهمين. ولسوء الحظ المقبوض عليهم في هذه القضية، وهي قضية تكوين حركة سياسية تًدعى “يو إس إيه” متهم فيها أطفال كبار، كان من نصيبهم أن تتولى ريهام سعيد مهمة التحقيق معهم!
يبدأ التحقيق بمشهد مريب يدل على ما ستؤول إليه الأمور، يبدأ بسؤال أحدهم عن ماذا كانوا يفعلون، فرد قائلا: “كنا بنلعب كورة”، فترد هي: “لأ بعيدا عن الكورة، كنتوا بتعملوا إيه؟!”. هنا بالطبع مذيعة عادية جدا بتمارس مهام عملها بحيادية ولا تحاول إطلاقا أن تنتزع منهم شيئا. وتذهب وتجيء بالحوار أو بالتحقيق، إلى أن يبتسم أحدهم، فتقول له “انت بتبتسم كده ليه؟ أنت مسجون” فيقول لها: “عشان أنا معملتش حاجة”، فيكون ردها المفجع: “وحتى لو معملتش حاجة، بس لما تدخل قسم المفروض تتخض على الأقل.. وأنت عموما وقفتك دي تبين إنك مش حد مالوش دعوة بحاجة”، فيبدو أن الصراخ وشد الشعر واللطم هم الراعي الرسمي لتلك اللحظات ومؤشر البراءة الأوحد، وذلك تأكيدا للموروث الشعبي المتحول بأن الضحك من غير سبب إرهاب وقلة أدب، ولا تعرف أن سبب تلك الإبتسامة والجملة في نظري هي استخفاف بكلامها الساذج في الحقيقة.
مشهد آخر يتخذ فيه التحقيق منحنى أكثر كوميدية، حين تتساءل اللامعة عن إذا كان هؤلاء الأطفال الكبار قد نزلوا مظاهرات أم لا، وتسألهم ببراءة الذئب: “مظاهرات ضد مين؟” تأتي الإجابة الحتمية “ضد الفئة الحاكمة.. أي ضد النظام”، فيبدو أن الجملة فوق استيعابها، فتقول ريهام سعيد الجملة الأصدق في تاريخها، حيث قالت: “لأ إحنا معندناش نظام، إحنا عندنا ثورة نزلها 60 مليون” حقيقة، لأول مرة احترمها، فقد قالت الحق أخيرا، برافو.. إحنا عندنا نظام إحنا؟! إحنا وش ذلك برضه؟! تختتم حوارها بجملة أجمل، حيث تقول: “خلاص بقى طلع مش موضوع كورة، واتكلمنا على المكشوف وطلع فيه فكر أهو”، وأعتقد أن ذلك الفكر هو ما أثار استغرابها فعلا، لأن كما يبدو هي تفتقر إلى هذا الفكر!
كما نعلم جميعا أنه شيء عادي وطبيعي تماما ولا يدعو للاستغراب ولا للشك في سلامة ضمير أحد إطلاقا أن تحضر مذيعة وطنية كتلك الريهام سعيد التحقيقات ولحظة القبض على متهمين، فإذا لم تحضر ريهام من يحضر؟! فكما نعلم أيضا أن التشهير بمتهمين لا يتعارض أبدا مع المهنية وأن أحد أركان العمل الإعلامي المهمة هو حضور التحقيقات لايف ونقلها على الهواء مباشرة ولا تأثير لذلك على سير العدالة بل ينعشها، ولأن المشرحة ناقصة قتلى، يتم التحقيق معهم من قبل المذيعة اللامعة من منطلق أنها بالتأكيد لن تأتي وتعود أدراجها هكذا بدون مصلحة، ولا إيه؟!.
لحسن حظي أو لسوئه لا أعلم، درست أربع سنوات بكلية الإعلام وتخرجت فيها منذ عامين، ولا زالت متذكرة إلى حد ما نظريات الإعلام التي قتلوها بحثا وقتلناها نحن اختبارات طوال الأربع سنوات.. فلا اتذكر أنه كان من ضمن النظريات الإعلامية “نظرية لبسه في الحيط” التي تتبعها ريهام سعيد، فهي وبكل حرص وبكل مهنية وموضوعية تعمل بكد وسعي لإخراج الاعترافات من المتهمين وتلبيسهم قضايا إرهاب وإدارة تنظيمات وحركات سياسية –لا داعي للتأكيد على أنها بالطبع تهمة تستحق الإعدام في بلادنا- حتى وإن كانت قضاياهم لازالت في طور التحقيقات، لأن كما نعلم إن اللي متقدرش عليه الحكومة تقدر عليه ريهام سعيد.
ومن موقعي هذا اقترح على وزارتي الداخلية والعدل، أن يتم تعيين الإستاذة ريهام بعقود رسمية معهم، تعيينها بوزارة الداخلية في أقسام الشرطة، تأخذها الشرطة في البوكس في جولة يومية لتمر على الأقسام واستخدامها كأداة تعذيب يومية حتى يتسنى لهم تلفيق القضايا كما يحلو لهم، فهي تُعتبر وسيلة سريعة وجديدة ومبتكرة لإخراج الاعترافات. إلى جانب تعيينها في وزارة العدل كوكيل نيابة وذلك تقديرا لجهودها في تقفيل القضايا وتظبيطها مع الداخلية ومكافأة لها على وطنيتها العمياء وحبها العميق للبلد.
لست هنا بصدد الدفاع عن أحد، فأنا لم أسمع عن تلك القضية أو تلك الحركة سوى من مقطع الفيديو الشهير، لكنها في الواقع تبدو قضية بلهاء كمعظم القضايا، حيث إن القبض على مجموعة من “الرجال” صغيري السن بتهمة تكوين حركة سياسية تُدعى يو إس إيه والقول بإنها تتبع جماعة الإخوان المسلمين –معرفش إزاي- والتي بما إنها تم تصنيفها كجماعة إرهابية، فهذه الحركة السياسية إرهابية أيضا بالطبع ، فنصل للاستنتاج العبقري أنهم إرهابيون، ونقوم بالإتيان بريهام سعيد حتى تسطع القضية واللي ميعرفش يعرف، ونستطيع الحكم عليهم بالإعدام والضمير مستريح، فبالتأكيد هي قضية بلهاء تنبع من واقعنا الأبله وتقدمها لنا مذيعة خرجت على كل حدود اللياقة والاحترام وحتى محاولات تصنع المهنية فشلت فيها، كما فشلت في تقديم ما يتسق حتى مع عنوان برنامجها “صبايا الخير”.
لمشاهدة مقطع الفيديو.. اضغط هنا